للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا وَالَّذِي بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّاءُ، وَتَحْقِيقُ هَذَا قَوْلُهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ [سَبَأٍ: ١٥] حَيْثُ أَثْبَتَ التَّاءَ حَيْثُ ظَهَرَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ وَهَذَا بَحْثٌ عَزِيزٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ الْخُرُوجُ أَيْ كَالْإِحْيَاءِ الْخُرُوجُ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْيَاءُ يُشَبَّهُ بِهِ الْإِخْرَاجُ لَا الْخُرُوجُ فَنَقُولُ تَقْدِيرُهُ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً فَتَشَقَّقَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا النَّبَاتُ كَذَلِكَ تَشَقَّقُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا الْأَمْوَاتُ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَنَا الرَّجْعُ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي قَوْلِهِ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق: ٣] لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لَهُمْ مَا اسْتَبْعَدُوهُ فَلَوِ اسْتَبْعَدُوا الرَّجْعَ الَّذِي هُوَ مِنَ الْمُتَعَدِّي لَنَاسَبَ أَنْ يَقُولَ، كَذَلِكَ الْإِخْرَاجُ، وَلَمَّا قَالَ: كَذلِكَ الْخُرُوجُ فُهِمَ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الرُّجُوعَ فَقَالَ: كَذلِكَ الْخُرُوجُ نَقُولُ فِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا الرَّجْعَ الَّذِي هُوَ مِنَ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الْخُرُوجَ وَفِيهِمَا مُبَالِغَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنِ الْبَيَانِ، وَوَجْهُهَا هُوَ أَنَّ الرَّجْعَ وَالْإِخْرَاجَ كَالسَّبَبِ لِلرُّجُوعِ وَالْخُرُوجِ، وَالسَّبَبُ إِذَا انْتَفَى يَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ جَزْمًا، وَإِذَا وُجِدَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمُسَبَّبُ لِمَانِعٍ تَقُولُ كَسَرْتُهُ فَلَمْ يَنْكَسِرْ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا وَالْمُسَبَّبُ إِذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَإِذَا انْتَفَى لَا يَنْتَفِي السَّبَبُ لِمَا تَقَدَّمَ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ السَّبَبِ وَنَفَوْهُ وَيَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ جَزْمًا فَبَالَغُوا وَأَنْكَرُوا الْأَمْرَ جَمِيعًا، لِأَنَّ نَفْيَ السَّبَبِ نَفْيُ الْمُسَبَّبِ، فَأَثْبَتَ اللَّهُ الْأَمْرَيْنِ بِالْخُرُوجِ كَمَا نَفُوَا الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِنَفْيِ الإخراج.

[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٢ الى ١٤]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)

ذَكَرَ الْمُكَذِّبِينَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِحَالِهِمْ وَوَبَالِهِمْ وَأَنْذَرَهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ وَاسْتِئْصَالِهِمْ، وَتَفْسِيرُهُ ظَاهِرٌ وَفِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْبِيهٌ بِأَنَّ حَالَهُ كَحَالِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الرُّسُلِ، كُذِّبُوا وَصَبَرُوا فَأَهْلَكَ اللَّهُ/ مُكَذِّبِيهِمْ وَنَصَرَهُمْ وَأَصْحابُ الرَّسِّ فِيهِمْ وُجُوهٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمُ الَّذِينَ جَاءَهُمْ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى وَهُمْ قَوْمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَالرَّسُّ مَوْضِعٌ نُسِبُوا إِلَيْهِ أَوْ فِعْلٌ وَهُوَ حَفْرُ الْبِئْرِ يُقَالُ رَسَّ إِذَا حَفَرَ بِئْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ ذلك، وقال هاهنا إِخْوانُ لُوطٍ وَقَالَ: قَوْمُ نُوحٍ لِأَنَّ لُوطًا كَانَ مُرْسَلًا إِلَى طَائِفَةٍ مِنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَارِفَ لُوطٍ، وَنُوحٌ كَانَ مُرْسَلًا إِلَى خَلْقٍ عَظِيمٍ، وَقَالَ: فِرْعَوْنُ وَلَمْ يَقُلْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ، وَقَالَ: وَقَوْمُ تُبَّعٍ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ هُوَ الْمُغْتَرَّ الْمُسْتَخِفَّ بِقَوْمِهِ الْمُسْتَبِدَّ بِأَمْرِهِ، وَتُبَّعٌ كَانَ مُعْتَمِدًا بِقَوْمِهِ فَجَعَلَ الِاعْتِبَارَ لِفِرْعَوْنَ، وَلَمْ يَقُلْ إِلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ.

يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَذَّبَ رَسُولَهُ فَهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَاللَّامُ حِينَئِذٍ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ وَثَانِيهِمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَاللَّامُ حِينَئِذٍ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُكَذِّبَ لِلرَّسُولِ مُكَذِّبٌ لِكُلِّ رَسُولٍ وَثَانِيهِمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِلرِّسَالَةِ وَالْحَشْرِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَحَقَّ وَعِيدِ أَيْ مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنْ نُصْرَةِ الرسل عليهم وإهلاكهم. ثم قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>