بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
سُورَةُ الْوَاقِعَةِ
وَهِيَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ آيَةً مَكِّيَّةٌ
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣)
أَمَّا تَعَلُّقُ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا، فَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَعْدِيدِ النِّعَمِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالشُّكْرِ وَمَنْعِهِ عَنِ التَّكْذِيبِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْجَزَاءِ بِالْخَيْرِ لِمَنْ شَكَرَ وَبِالشَّرِّ لِمَنْ كَذَّبَ وَكَفَرَ ثَانِيهَا: أَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّنْبِيهَاتِ بِذِكْرِ الْآلَاءِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ كَذَلِكَ لِذِكْرِ الْجَزَاءِ فِي حَقِّهِمْ يَوْمَ التَّنَادِ ثَالِثُهَا: أَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ سُورَةُ إِظْهَارِ الرَّحْمَةِ وَهَذِهِ السُّورَةُ سُورَةُ إِظْهَارِ الْهَيْبَةِ عَلَى عَكْسِ تِلْكَ السُّورَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ فَفِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَاتِ مِنْ بَابِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى الْقِيَامَةِ وَإِلَى ما فيها من المثوبات والعقوبات، وكل واحد مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ اسْمِهِ وَعَظَمَةِ شَأْنِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعِزِّ سُلْطَانِهِ. ثُمَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَفِي تَفْسِيرِهَا جُمْلَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: الْمُرَادُ إِذَا وَقَعَتِ الْقِيَامَةُ الْوَاقِعَةُ أَوِ الزَّلْزَلَةُ الْوَاقِعَةُ يَعْتَرِفُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ، وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ إِنْكَارِهَا، وَيَبْطُلُ عِنَادُ الْمُعَانِدِينَ فَتُخْفِضُ الْكَافِرِينَ فِي دَرَكَاتِ النَّارِ، وَتَرْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ فِي الْجَحِيمِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّعِيمِ الثَّانِي: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ تَزَلْزَلَ النَّاسُ، فَتُخْفِضُ الْمُرْتَفِعَ، وَتَرْفَعُ الْمُنْخَفِضَ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها [الْحِجْرِ:
٧٤] فِي الْإِشَارَةِ إِلَى شِدَّةِ الْوَاقِعَةِ، لِأَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي جَعَلَ الْعَالِيَ سَافِلًا بِالْهَدْمِ، وَالسَّافِلَ عَالِيًا حَتَّى صَارَتِ الْأَرْضُ الْمُنْخَفِضَةُ كَالْجِبَالِ الرَّاسِيَةِ، وَالْجِبَالُ الرَّاسِيَةُ كَالْأَرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ أَشَدُّ وَأَبْلَغُ، فَصَارَتِ الْبُرُوجُ الْعَالِيَةُ مَعَ الْأَرْضِ مُتَسَاوِيَةً، وَالْوَاقِعَةُ الَّتِي تَقَعُ تَرْفَعُ الْمُنْخَفِضَةَ فَتَجْعَلُ مِنَ الْأَرْضِ أَجَزَاءً عَالِيَةً وَمِنَ السَّمَاءِ أَجْزَاءً سَافِلَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا [الواقعة: ٤، ٥] فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةٍ مُزْعِجَةٍ، وَالْجِبَالَ تَتَفَتَّتُ، فَتَصِيرُ الْأَرْضُ الْمُنْخَفِضَةُ كَالْجِبَالِ الرَّاسِيَةِ، وَالْجِبَالُ الشَّامِخَةُ كَالْأَرْضِ السَّافِلَةِ، كَمَا يَفْعَلُ هُبُوبُ الرِّيحِ فِي الْأَرْضِ الْمُرْمِلَةِ الثَّالِثُ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يَظْهَرُ وُقُوعُهَا/ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَكَيْفِيَّةُ وُقُوعِهَا، فَلَا يُوجَدُ لَهَا كَاذِبَةٌ وَلَا مُتَأَوَّلٌ يَظْهَرُ فَقَوْلُهُ: خافِضَةٌ رافِعَةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى كاذِبَةٌ نسقا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute