للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ كُنْتَ طَلَبْتَ مِنْهُمْ أَجْرًا فَهَلْ طَلَبْتَ ذَلِكَ فَأَثْقَلَهُمْ؟ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ إِذًا.

ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْ يُسْأَلُونَ لَزِمَ نفي أَجْرٍ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشْرِكُونَ وَيُطَالِبُونَ بِالْأَجْرِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَأَمَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ لَا تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَكَ وَغَيْرُكَ يَسْأَلُهُمْ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَيَتَّبِعُونَ السَّائِلِينَ وَهَذَا غَايَةُ الضَّلَالِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ أَلْزَمْتَ أَنْ تُبَيِّنَ أَنَّ أَمْ لَا تَقَعُ إِلَّا مُتَوَسِّطَةً حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَكَيْفَ ذَلِكَ هَاهُنَا؟

نَقُولُ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَتَهْدِيهِمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا، وَتَرَكَ الْأَوَّلَ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ أَمْ لَهُ الْبَناتُ [الطور: ٣٩] إِنَّ الْمِقْدَارَ هُوَ وَاحِدٌ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ، وَتَرَكَ ذِكْرَ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَوْنِهِمْ قَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الرِّيَاسَةَ وَالْأَجْرَ فِي الدُّنْيَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ فِي خُصُوصِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَجْراً فَائِدَةٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ لَوْ قَالَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ شَيْئًا أَوْ مَالًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ نَقُولُ نَعَمْ، وقد تقدم القول مني أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا، وَالَّذِي يَظْهَرُ هَاهُنَا أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يُطْلَبُ إِلَّا عِنْدَ فِعْلِ شَيْءٍ يُفِيدُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْأَجْرَ فَقَالَ: أَنْتَ أَتَيْتَهُمْ بِمَا لَوْ طَلَبْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا وَعَلِمُوا كَمَالَ مَا فِي دَعْوَتِكَ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ وَبِهِمْ، لَأَتَوْكَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ وَلَفَدَوْكَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَا تَطْلُبُ مِنْهُمْ أَجْرًا، وَلَوْ قَالَ شَيْئًا أَوْ مَالًا لَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُمْ أَجْرًا ما، وقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشُّورَى: ٢٣] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ أَجْرًا مَا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ نَقُولُ لَا تَفْرِقَةَ بَيْنِهِمَا بَلِ الْكُلُّ حَقٌّ وَكِلَاهُمَا كَكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى هُوَ أَنِّي لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا يَعُودُ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا أَجْرِي الْمَحَبَّةُ فِي الزُّلْفَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْكَامِلِينَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ النَّاقِصِينَ، وَعِبَادَ اللَّهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمُ اللَّهُ وَكَلَّمُوهُ وَأَرْسَلَهُمْ لِتَكْمِيلِ عِبَادِهِ فَكَمِلُوا أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الذين [لم يكلمهم و] لم يُرْسِلْهُمُ اللَّهُ وَلَمْ يَكْمُلُوا وَعَلَى هَذَا فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [يونس: ٧٢] وَإِلَيْهِ أَنْتَمِي

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وَقَوْلُهُ فَهُمْ/ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا أن قوله أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً الْمُرَادُ أَجْرُ الدُّنْيَا وَقَوْلَهُ قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً الْمُرَادُ الْعُمُومُ ثُمَّ اسْتَثْنَى، وَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ إِنَّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ لَكِنَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ فَلْيُطْلَبْ مِنْهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا طَلَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَوْ طَالَبَهُمْ بِأَجْرٍ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا اتِّبَاعَهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ أَثْقَلَهُمُ التَّكْلِيفُ وَيَأْخُذُ كُلَّ مَا لهم ويمنعهم التخليف فيثقلهم الدين بعد ما لا يبقى لهم العين. ثم قال تعالى:

[[سورة الطور (٥٢) : آية ٤١]]

أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)

وَهُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ: بِمَ اطَّرَحْتُمُ الشَّرْعَ وَمَحَاسِنَهُ، وَقُلْتُمْ مَا قُلْتُمْ بِنَاءً عَلَى اتِّبَاعِكُمُ الْأَوْهَامَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الْمَعْقُولَاتِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُ مِنْكُمْ أَجْرًا وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَلَا عذر

<<  <  ج: ص:  >  >>