للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِصْرَ، فَمَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ يَمْتَنِعُ بَقَاءُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مَخْفِيَّةً.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لِمَ لَمْ يَبْعَثْ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَدًا إِلَى يَعْقُوبَ وَيُعْلِمْهُ أَنَّهُ فِي الْحَيَاةِ وَفِي السَّلَامَةِ وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَخَافُ إِخْوَتَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَلِكًا قَاهِرًا كَانَ يُمْكِنُهُ إِرْسَالُ الرَّسُولِ إِلَيْهِ وَإِخْوَتُهُ مَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ الرَّسُولِ.

وَالسُّؤَالُ الْخَامِسُ: كَيْفَ جَازَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَضَعَ الصَّاعَ فِي وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ يَسْتَخْرِجَهُ مِنْهُ وَيُلْصِقَ بِهِ تُهْمَةَ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بَرِيئًا عَنْهَا.

السُّؤَالُ السَّادِسُ: كَيْفَ رَغِبَ فِي إِلْصَاقِ هَذِهِ التُّهْمَةِ بِهِ وَفِي حَبْسِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَزْدَادُ حَزْنُ أَبِيهِ وَيَقْوَى.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمِحْنَةِ الشَّدِيدَةِ تُزِيلُ عَنِ الْقَلْبِ كُلَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْخَوَاطِرِ. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمِحْنَةِ الشَّدِيدَةِ يَكُونُ كَثِيرَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّه تَعَالَى كَثِيرَ الِاشْتِغَالِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَمَالِ الاستغراق.

والجواب عن الثاني: أن الداعي الْإِنْسَانِيَّةَ لَا تَزُولُ فِي الْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ فَتَارَةً كان يقول: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يُوسُفَ: ٨٤] وَتَارَةً كَانَ يَقُولُ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ [يُوسُفَ: ١٨] وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَسْئِلَةِ فَالْقَاضِي أَجَابَ عَنْهَا بِجَوَابٍ كُلِّيٍّ حَسَنٍ، فَقَالَ هَذِهِ الْوَقَائِعُ الَّتِي نُقِلَتْ إِلَيْنَا إِمَّا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُعْتَادَةِ أَوْ لَا يُمْكِنُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَنَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ زَمَانَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَخَرْقُ الْعَادَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَلْدَةَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ بَلْدَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَكِنْ لَمْ يَصِلْ خَبَرُ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ على سبيل نقض العادة.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)

[في قوله تعالى فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مسنا وأهلنا الضر] اعلم أن المفسرين اتفقوا على أن هاهنا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا قَالَ لِبَنِيهِ: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ [يوسف: ٨٧] قَبِلُوا مِنْ أَبِيهِمْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَعَادُوا إِلَى مِصْرَ وَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالُوا له: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ يَعْقُوبُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسَّسُوا أَمْرَ يُوسُفَ وَأَخِيهِ فَلِمَاذَا عَدَلُوا إِلَى الشَّكْوَى وَطَلَبُوا إِيفَاءَ الْكَيْلِ؟

قُلْنَا: لِأَنَّ الْمُتَحَسِّسِينَ يَتَوَسَّلُونَ إِلَى مَطْلُوبِهِمْ بِجَمِيعِ الطُّرُقِ وَالِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَضِيقُ الْيَدِ وَرِقَّةُ الْحَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ وَشِدَّةُ الْحَاجَةِ مِمَّا يُرَقِّقُ الْقَلْبَ فَقَالُوا: نُجَرِّبُهُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنْ رَقَّ قَلْبُهُ لَنَا ذَكَرْنَا لَهُ الْمَقْصُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>