للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُعْجِزَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْقُرْآنُ وَالدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهَا مُعْجِزَةً فَطَلَبُ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ طَلَبٌ لِمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ فَكَأَنَّ طَلَبَهَا يَجْرِي مَجْرَى التَّعَنُّتِ وَالتَّحَكُّمِ وَأَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ لَيْسَ لِي أَنْ أَتَحَكَّمَ عَلَى اللَّهِ فَسَقَطَ هَذَا السُّؤَالُ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلِهِ: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا جَوَابٌ كَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا كَوْنَهُمْ عَلَى الضَّلَالِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ، وَفِي النُّبُوَّاتِ. أَمَّا فِي الْإِلَهِيَّاتِ فَيَدُلُّ عَلَى ضَلَالِهِمْ قَوْلُهُ سُبْحانَ رَبِّي أَيْ سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِتْيَانٌ وَمَجِيءٌ وَذَهَابٌ وَأَمَّا فِي النُّبُوَّاتِ فَيَدُلُّ عَلَى ضَلَالِهِمْ قَوْلُهُ: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]

وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى شُبْهَةَ الْقَوْمِ فِي اقْتِرَاحِ الْمُعْجِزَاتِ الزَّائِدَةِ وَأَجَابَ عَنْهَا حَكَى عَنْهُمْ شُبْهَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقَوْمَ اسْتَبْعَدُوا أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَى الْخَلْقِ رَسُولًا مِنَ الْبَشَرِ بَلِ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى الْخَلْقِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّسُولُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ:

وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَتَقْرِيرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مَلَكًا رَسُولًا إِلَى الْخَلْقِ فَالْخَلْقُ إِنَّمَا يُؤْمِنُونَ بِكَوْنِهِ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَجْلِ قِيَامِ الْمُعْجِزِ الدَّالِّ عَلَى صِدْقِهِ وَذَلِكَ الْمُعْجِزُ هُوَ الَّذِي يَهْدِيهِمْ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْمَلَكِ فِي ادِّعَاءِ رِسَالَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى هُوَ الْمُعْجِزُ فَقَطْ فَهَذَا الْمُعْجِزُ سَوَاءٌ ظَهَرَ عَلَى يَدِ الْمَلَكِ أَوْ عَلَى يَدِ الْبَشَرِ وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِرِسَالَتِهِ فَثَبَتَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ/ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَحَكُّمًا فَاسِدًا وَتَعَنُّتًا بَاطِلًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ لَوْ كَانُوا مَلَائِكَةً لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَأَنَّ الْجِنْسَ إِلَى الْجِنْسِ أَمِيلُ أَمَّا لَوْ كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَايَ كَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَوْنِي صَادِقًا وَمَنْ شَهِدَ اللَّهُ عَلَى صِدْقِهِ فَهُوَ صَادِقٌ فَبَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الرَّسُولَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا لَا إِنْسَانًا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ الثَّلَاثَةَ أَرْدَفَهَا بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ فَقَالَ: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يَعْنِي يَعْلَمُ ظَوَاهِرَهُمْ وَبَوَاطِنَهُمْ وَيَعْلَمُ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ هَذِهِ الشُّبَهَاتِ إِلَّا لِمَحْضِ الْحَسَدِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالِاسْتِنْكَافِ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>