وَيُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ الْعَظِيمِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْذِبَ لِهَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَثَانِيهِمَا: أَنَّ أَحَدًا لَوْ كَذَّبَ وَقَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا قِيَامَةَ وَلَا وَاقِعَةَ لَكَانَ كَاذِبًا عَظِيمًا وَلَا كَاذِبَ لَهِذِهِ الْعَظَمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالْأَوَّلُ أَدَلُّ عَلَى هَوْلِ الْيَوْمِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَعُودُ مَا ذَكَرْنَا إِلَى أَنَّهُ لَا كَاذِبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يُصَدِّقُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: خافِضَةٌ رافِعَةٌ تَقْدِيرُهُ هِيَ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْجُمْلِيِّ وَفِيهِ وُجُوهٌ أُخْرَى أَحَدُهَا: خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ صِفَتَانِ لِلنَّفْسِ الْكَاذِبَةِ أَيْ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا مَنْ يُكَذِّبُ وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ فَتُخْفِضُ أَمْرًا وَتَرْفَعُ آخَرَ فَهِيَ خَافِضَةٌ أَوْ يَكُونُ هُوَ زِيَادَةً لِبَيَانِ صِدْقِ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَدَمِ إِمْكَانِ كَذِبِهِمْ وَالْكَاذِبُ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ نَفْيَ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ يَقُولُ مَا عَرَفْتُ مِمَّا كَانَ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَرُبَّمَا يَقُولُ مَا عَرَفْتُ حَرْفًا وَاحِدًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يَكْذِبُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرُبَّمَا يَكْذِبُ في صفة من صِفَاتِهِ وَالصِّفَةُ قَدْ يَكُونُ مُلْتَفَتًا إِلَيْهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُلْتَفَتًا إِلَيْهَا الْتِفَاتًا مُعْتَبَرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُلْتَفَتًا إِلَيْهَا أَصْلًا مِثَالُ الْأَوَّلِ: قَوْلُ الْقَائِلِ: مَا جَاءَ زَيْدٌ وَيَكُونُ قَدْ جَاءَ وَمِثَالُ الثَّانِي: مَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَمِثَالُ الثَّالِثُ: مَا جَاءَ بُكْرَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَكُونُ قَدْ جَاءَ بُكْرَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا جَاءَ أَوَّلَ بُكْرَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعُ دُونَ الْكُلِّ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَا أَعْرِفُ كَلِمَةً كَاذِبَةً نَفَى عَنْهُ الْكَذِبَ فِي الْإِخْبَارِ وَفِي صِفَتِهِ وَالَّذِي يَقُولُ: مَا عَرَفْتُ حَرْفًا وَاحِدًا نَفَى أَمْرًا وَرَاءَهُ، وَالَّذِي يَقُولُ: مَا عَرَفْتُ أَعْرَافَةً وَاحِدَةً يَكُونُ فَوْقَ ذلك فقوله: يْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ
أَيْ مَنْ يُغَيِّرُ تغييرا ولو كان يسيرا. ثم قال تعالى:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤ الى ٦]
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦)
أَيْ كَانَتِ الْأَرْضُ كَثِيبًا مُرْتَفِعًا وَالْجِبَالُ مَهِيلًا مُنْبَسِطًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْجِبَالِ: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [الْقَارِعَةِ: ٥] وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ فَائِدَةِ ذِكْرِ الْمَصْدَرِ وَهِيَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ قَوْلًا مُعْتَبَرًا وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا مُعْتَبَرًا لَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِيهِ: لَيْسَ بِضَرْبٍ مُحْتَقِرًا لَهُ كَمَا يُقَالُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْعَامِلُ فِي: إِذا رُجَّتِ/ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ إِذَا رُجَّتِ بَدَلًا عَنْ إِذَا وَقَعَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ثَانِيهَا: أن يكون العامل في:
إِذا وَقَعَتِ [الواقعة: ١] هو قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها [الواقعة: ٢] وَالْعَامِلُ فِي: إِذا رُجَّتِ هُوَ قَوْلُهُ:
خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الواقعة: ٣] تَقْدِيرُهُ تُخْفَضُ الْوَاقِعَةُ وَتُرْفَعُ وَقْتَ رَجِّ الْأَرْضِ وَبَسِّ الْجِبَالِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَا لَمْ تَتَحَرَّكْ وَالْجِبَالَ مَا لَمْ تَنْبَسَّ لَا تَكُونُ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَالْبَسُّ التَّقْلِيبُ، وَالْهَبَاءُ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُخْتَلِطُ بِأَجْزَاءٍ أَرْضِيَّةٍ تَظْهَرُ فِي خَيَالِ الشَّمْسِ إِذَا وَقَعَ شُعَاعُهَا فِي كُوَّةٍ، وَقَالَ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ بَيْنَ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي مُنَاسَبَةً إِنَّ الْهَوَاءَ إِذَا خَالَطَهُ أَجْزَاءٌ ثَقِيلَةٌ أَرْضِيَّةٌ ثَقُلَ مِنْ لَفْظِهِ حَرْفٌ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ الْخَفِيفَةُ بِالْبَاءِ الَّتِي لَا يُنْطَقُ بِهَا إِلَّا بإطباق الشفتين بقوة ما لو في الباء ثقل ما. ثم قال تعالى:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧ الى ٩]
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute