للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهَا بِأَنْ عَبَدَهَا غَيْرُهَا. فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَمَّا رَأَوْا صُوَرَهَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَافِ بِالْخَطَأِ الْعَظِيمِ وَعَلَى وَجْهِ النَّدَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ، وَالَّذِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُمْ:

وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الْأَحْزَابِ: ٦٧] فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كَمَا نَرَى الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ شُفَعَاءُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَلا صَدِيقٍ كَمَا نَرَى لَهُمْ أَصْدِقَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَادَقُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَبَيْنَهُمُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضُ قَالَ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزُّخْرُفِ: ٦٧] أَوْ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: ١٠٠، ١٠١] مِنَ الَّذِينَ كُنَّا نَعُدُّهُمْ شُفَعَاءَ وَأَصْدِقَاءَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي أَصْنَامِهِمْ أَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ لَهُمْ أَصْدِقَاءُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، أَوْ أَرَادُوا أَنَّهُمْ إِنْ وَقَعُوا فِي مَهْلَكَةٍ عَلِمُوا أَنَّ الشُّفَعَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ لَا يَنْفَعُونَهُمْ وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْهُمْ، فَقَصَدُوا بِنَفْيِهِمْ نَفِيَ مَا تعلق بهم من النفع، لأن مالا يَنْفَعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْدُومِ، وَالْحَمِيمُ مِنَ الِاحْتِمَامِ وَهُوَ الِاهْتِمَامُ وَهُوَ الَّذِي يَهُمُّهُ مَا يَهُمُّكَ، أَوْ مِنَ الْحَامَّةِ بِمَعْنَى الْخَاصَّةِ وَهُوَ الصَّدِيقُ الْخَالِصُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الشُّفَعَاءَ وَوَحَّدَ الصَّدِيقَ لِكَثْرَةِ الشُّفَعَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقِلَّةِ الصَّدِيقِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُمْتَحَنَ بِإِرْهَاقِ الظَّالِمِ قَدْ يَنْهَضُ جَمَاعَةٌ وَافِرَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِشَفَاعَتِهِ رَحْمَةً لَهُ، وَأَمَّا الصَّدِيقُ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي وِدَادِكَ، فَأَعَزُّ مِنْ بَيْضِ الْأَنُوقِ، وَيَجُوزُ أَنْ/ يُرِيدَ بِالصَّدِيقِ الْجَمْعَ ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُمْ تَمَنَّوُا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَوْ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي كَأَنَّهُ قِيلَ فَلَيْتَ لَنَا كَرَّةً، وَذَلِكَ لِمَا بَيْنَ مَعْنَى لَوْ وَلَيْتَ مِنَ التَّلَاقِي فِي التَّقْدِيرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَصْلِهَا وَيُحْذَفُ الْجَوَابُ وَهُوَ لَفَعَلْنَا كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ الْجُبَّائِيُّ: إِنْ قَوْلَهُمْ فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ بِخَبَرٍ عَنْ إِيمَانِهِمْ لَكِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ عَزْمِهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ إِيمَانِهِمْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا، لَأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي قَوْلُهُ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الْأَنْعَامِ: ٢٨] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ بَيَانُ فَسَادِ هَذَا الْكَلَامِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَآيَةً لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ ثم قال: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلُوهُ عَلَى قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَعَ كُلِّ هَذِهِ الدَّلَائِلِ فَأَكْثَرُ قَوْمِهِ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَيَكُونُ هَذَا تَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَجِدُهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَعْجِيلِ الانتقام لكنه رحيم بالإمهال لكي يؤمنوا.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠٥ الى ١٢٢]

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)

إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩)

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)

القصة الثالثة- قصة نوح عليه السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>