سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إِلَى آخِرِهَا وهي مائتان أو ست أَوْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)
الطَّاءُ إِشَارَةٌ إِلَى طَرَبِ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ، وَالسِّينُ سُرُورُ الْمُحِبِّينَ، وَالْمِيمُ مُنَاجَاةُ الْمُرِيدِينَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَرَأَ قَتَادَةُ بَاخِعُ نَفْسِكَ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَقُرِئَ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعَةً.
المسألة الثَّانِيَةُ: الْبَخْعُ أَنْ يَبْلُغَ بِالذَّبْحِ الْبِخَاعَ، وَهُوَ الْخُرْمُ النَّافِذُ فِي ثَقْبِ الْفِقْرَاتِ وَذَلِكَ أَقْصَى حَدِّ الذَّابِحِ، وَلَعَلَّ لِلْإِشْفَاقِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ مَعْنَاهُ: آيَاتُ هَذِهِ السُّورَةِ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ [الْبَقَرَةِ: ٢] وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالْمُبِينُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُتَكَلِّمَ فَقَدْ يُضَافُ إِلَى الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ يَتَبَيَّنُ بِهِ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ الْقَوْمُ لَمَّا كَانُوا كُفَّارًا فَكَيْفَ تَكُونُ آيَاتُ الْقُرْآنِ مُبَيِّنَةً لَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الْأَحْكَامُ؟ قُلْنَا أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى فَاعِلٍ مُخَالِفٍ لَهُمْ كَمَا يُسْتَدَلُّ بِسَائِرِ مَا لَا يَقْدِرُ الْعِبَادُ عَلَى مِثْلِهِ، فَهُوَ دَلِيلُ التَّوْحِيدِ مِنْ هَذَا الوجه وَدَلِيلُ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ الْإِعْجَازُ، وَيُعْلَمُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّه/ تَعَالَى فَهُوَ دَلَالَةُ الْأَحْكَامِ أَجْمَعَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا صَارَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ كَافِيَةً فِي كُلِّ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَجْمَعَ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ بَيَّنَ الْأُمُورَ قَالَ بَعْدَهُ: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَإِنْ بَلَغَ فِي الْبَيَانِ كُلَّ غَايَةٍ فَغَيْرُ مُدْخِلٍ لَهُمْ فِي الْإِيمَانِ لَمَّا أَنَّهُ سَبَقَ حُكْمُ اللَّه بِخِلَافِهِ، فَلَا تُبَالِغْ فِي الْحُزْنِ وَالْأَسَفِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّكَ إِنْ بَالَغْتَ فِيهِ كُنْتَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقْتُلُ نَفْسَهُ ثُمَّ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ أَصْلًا فَصَبَّرَهُ وَعَزَّاهُ وَعَرَّفَهُ أَنَّ غَمَّهُ وَحُزْنَهُ لَا نَفْعَ فِيهِ كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْكِتَابِ عَلَى بَيَانِهِ وَوُضُوحِهِ لَا نَفْعَ لَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَ تعالى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute