للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّدِيدِ فَوَعَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى دُعَائِهِ بِكَشْفِ الْعَذَابِ عَنْهُمُ الْإِيمَانَ بِهِ وَالتَّخْلِيَةَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِرْسَالَهُمْ مَعَهُ يَذْهَبُ بِهِمْ أَيْنَ شَاءَ. وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ الْمَعْنَى أَنَّا مَا أَزَلْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ مُطْلَقًا وَمَا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ بَلْ إِنَّمَا أَزَلْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ لَا نُزِيلُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بَلْ نُهْلِكُهُمْ بِهِ وقوله: إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ هو جواب لما يعني فلما كشفنا عنهم فاجؤا النَّكْثَ وَبَادَرُوهُ وَلَمْ يُؤَخِّرُوهُ كَمَا كَشَفْنَا عَنْهُمْ نكثوا.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٦]]

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ مِنْ قَبْلُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ وَلَمْ يَمْتَنِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَجَهْلِهِمْ ثُمَّ بَلَغُوا الْأَجَلَ الْمُؤَقَّتَ انْتَقَمَ مِنْهُمْ بِأَنْ أَهْلَكَهُمْ بِالْغَرَقِ وَالِانْتِقَامُ فِي اللُّغَةِ سَلْبُ النِّعْمَةِ بِالْعَذَابِ وَالْيَمُّ الْبَحْرُ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْيَمُّ الْبَحْرُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَقِيلَ: هُوَ لُجَّةُ الْبَحْرِ وَمُعْظَمُ مَائِهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ الْمُسْتَقِينَ بِهِ يَقْصِدُونَهُ وَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أَنَّ ذَلِكَ الِانْتِقَامَ هُوَ لِذَلِكَ التَّكْذِيبِ. وَقَوْلُهُ: وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِنَايَةِ فِي عَنْهَا فَقِيلَ إِنَّهَا عَائِدَةٌ إِلَى النِّقْمَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: فَانْتَقَمْنا وَالْمَعْنَى وَكَانُوا عَنِ النِّقْمَةِ قَبْلَ حُلُولِهَا غَافِلِينَ وَقِيلَ الْكِنَايَةُ عَائِدَةٌ إِلَى الْآيَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ. قَالَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْتَبِرُونَ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: الْغَفْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَيْفَ جَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الْغَفْلَةِ.

قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْغَفْلَةِ هُنَا الْإِعْرَاضُ عَنِ الْآيَاتِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا فَهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهَا حَتَّى صَارُوا كَالْغَافِلِينَ عَنْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ ضَمُّوا إِلَى التَّكْذِيبِ وَالْغَفْلَةِ مَعَاصِيَ كَثِيرَةً؟ فَكَيْفَ يَكُونُ الِانْتِقَامُ لِهَذَيْنَ دون غير هما.

قُلْنَا: لَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّهُ تَعَالَى انْتَقَمَ مِنْهُمْ لِهَذَيْنَ مَعًا دَلَالَةً عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْآيَاتِ النَّظَرُ فِيهَا وَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ بِأَنْ غَفَلُوا عَنْهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ طريق مذموم.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٧]]

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)

اعْلَمْ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ ذَكَرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلَهُ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الْأَعْرَافِ: ١٢٩] فَهَهُنَا لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى إِهْلَاكَ الْقَوْمِ بِالْغَرَقِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ بَيَّنَ مَا فَعَلَهُ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فَقَالَ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِضْعَافِ أَنَّهُ كَانَ يُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَيَأْخُذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَيَسْتَعْمِلُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى مَشَارِقِ أَرْضِ الشَّامِ. وَمِصْرَ وَمَغَارِبِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ تَصَرُّفِ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: الَّتِي بارَكْنا فِيها الْمُرَادُ بَارَكْنَا فِيهَا بِالْخِصْبِ وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِأَرْضِ الشَّامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>