للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: بَلْ هُمْ أَضَلُّ وُجُوهٌ أُخْرَى فَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَنْعَامَ مُطِيعَةٌ للَّه تَعَالَى وَالْكَافِرَ غَيْرُ مُطِيعٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ أَخْطَأُ طَرِيقًا مِنَ الْأَنْعَامِ، لِأَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْرِفُ رَبَّهَا وَتَذْكُرُهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ وَلَا يَذْكُرُونَهُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ هُمْ أَضَلُّ لِأَنَّ الْأَنْعَامَ تُبْصِرُ مَنَافِعَهَا وَمَضَارَّهَا فَتَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَنَافِعِهَا وَتَحْتَرِزُ عَنْ مَضَارِّهَا، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْعِنَادِ أَكْثَرُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُصِرُّونَ عَلَيْهِ، وَيُلْقُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي النَّارِ وَفِي الْعَذَابِ، وَقِيلَ إِنَّهَا تَفِرُّ أَبَدًا إِلَى أَرْبَابِهَا، وَمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا، وَالْكَافِرُ يَهْرُبُ عَنْ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لَا حَدَّ لَهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تَضِلُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُرْشِدٌ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهَا مُرْشِدٌ قلما تضل، وهؤلاء الكفاء قَدْ جَاءَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ وَهُمْ يَزْدَادُونَ فِي الضَّلَالِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ فَقَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ قَالَ عَطَاءٌ: عَمَّا أَعَدَّ اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَلِأَعْدَائِهِ من العقاب.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٠]]

وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)

[فِي قَوْلُهُ تَعَالَى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْمَخْلُوقِينَ لِجَهَنَّمَ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ أَمَرَ بَعْدَهُ بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى فَقَالَ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَهَذَا كَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِدُخُولِ جَهَنَّمَ هُوَ الْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِ اللَّه.

وَالْمُخَلِّصُ عَنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ هُوَ ذِكْرُ اللَّه تَعَالَى وَأَصْحَابُ الذَّوْقِ وَالْمُشَاهَدَةِ يَجِدُونَ مِنْ أَرْوَاحِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّه، وَأَقْبَلَ عَلَى الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَقَعَ فِي بَابِ الْحِرْصِ وَزَمْهَرِيرِ الْحِرْمَانِ، وَلَا يَزَالُ يَنْتَقِلُ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَى رَغْبَةٍ وَمِنْ طَلَبٍ إِلَى طَلَبٍ، وَمِنْ ظُلْمَةٍ إِلَى ظُلْمَةٍ، فَإِذَا انْفَتَحَ عَلَى قَلْبِهِ بَابُ ذِكْرِ اللَّه وَمَعْرِفَةِ اللَّه تَخَلَّصَ عَنْ نِيرَانِ الْآفَاتِ وَعَنْ حَسَرَاتِ الخسارات، واستشعر بمعرفة رب الأرض والسموات وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى مَذْكُورٌ فِي سُوَرٍ أَرْبَعَةٍ: أَوَّلُهَا: هَذِهِ/ السُّورَةُ.

وَثَانِيهَا: فِي آخِرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قَوْلُهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] وَثَالِثُهَا: فِي أَوَّلِ طه وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [طه: ٨] وَرَابِعُهَا: فِي آخِرِ الْحَشْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْحَشْرِ: ٢٤] .

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَسْماءُ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعَانِي فَهِيَ إِنَّمَا تَحْسُنُ بِحُسْنِ مَعَانِيهَا وَمَفْهُومَاتِهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْحُسْنِ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى إِلَّا ذِكْرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ: عَدَمُ افْتِقَارِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَثُبُوتُ افْتِقَارِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لَنَا فِي تَفْسِيرِ أَسْمَاءِ اللَّه كتاباً كبيراً كَثِيرَ الدَّقَائِقِ شَرِيفَ الْحَقَائِقِ سَمَّيْنَاهُ «بِلَوَامِعِ الْبَيِّنَاتِ فِي تَفْسِيرِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ» ، مَنْ أَرَادَ الِاسْتِقْصَاءَ فيه فليرجع إليه، ونحن نذكر هاهنا لُمَعًا وَنُكَتًا مِنْهَا. فَنَقُولُ: إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّه يُمْكِنُ تَقْسِيمُهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ نَقُولَ: الِاسْمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلذَّاتِ، أَوْ لِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الذَّاتِ، أَوْ لِصِفَةٍ خَارِجَةٍ عَنِ الذَّاتِ قَائِمَةٍ بِهَا. أَمَّا اسْمُ الذَّاتِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَفِي كَشْفِ الْغِطَاءِ عَمَّا فِيهِ مِنَ الْمُبَاحَثَاتِ أَسْرَارٌ.

وَأَمَّا اسْمُ جُزْءِ الذَّاتِ فَهُوَ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى مُحَالٌ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُفْعَلُ فِي الذَّاتِ الْمُرَكَّبَةِ مِنَ الْأَجْزَاءِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُمْكِنٌ، فَوَاجِبُ الْوُجُودِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>