بِالِاسْتِسْلَامِ لِكُلِّ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الباب، واللَّه أعلم.
[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٣]]
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى الْكَلِمَاتِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ نُوحٍ وَبَيْنَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ، ذَكَرَ مَا إِلَيْهِ رَجَعَتْ عَاقِبَةُ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، أَمَّا فِي حَقِّ نُوحٍ وَأَصْحَابِهِ فَأَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَعَالَى نَجَّاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ. الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَهُمْ خَلَائِفَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَخْلُفُونَ مَنْ هَلَكَ بِالْغَرَقِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَغْرَقَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إِذَا سَمِعَهَا مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ وَمَنْ كَذَّبَ بِهِ كَانَتْ زَجْرًا لِلْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ يَخَافُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُ مَا نَزَلْ بِقَوْمِ نُوحٍ وَتَكُونُ دَاعِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ، لِيَصِلُوا إِلَى مِثْلِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ قَوْمُ نُوحٍ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّحْذِيرِ إِذَا جَرَتْ عَلَى/ سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ كَانَتْ أَبْلَغَ مِنَ الْوَعِيدِ الْمُبْتَدَأِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَ تَعَالَى أَقَاصِيصَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَأَمَّا تَفَاصِيلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي سائر السور.
[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٤]]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)
اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ رُسُلًا وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَكَانَ مِنْهُمْ هُودٌ وَصَالِحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَلُوطٌ وَشُعَيْبٌ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِالْبَيِّنَاتِ، وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ الْقَاهِرَةُ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَرَوْا عَلَى مِنْهَاجِ قَوْمِ نُوحٍ فِي التَّكْذِيبِ، وَلَمْ يَزْجُرْهُمْ مَا بَلَّغَهُمْ مِنْ إِهْلَاكِ اللَّه تَعَالَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ عَنْ ذَلِكَ، فَلِهَذَا قَالَ:
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَيْنَ مَا كَذَّبُوا بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ فِي زَمَانِهِ بَلِ الْمُرَادُ بِمِثْلِ مَا كَذَّبُوا بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ الظَّاهِرَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَجْمَعَ كَأَنَّهَا وَاحِدَةٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ يَمْنَعُ الْمُكَلَّفَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ. قَالَ الْقَاضِي: الطَّبْعُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْإِيمَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النِّسَاءِ: ١٥٥] وَلَوْ كَانَ هَذَا الطَّبْعُ مَانِعًا لَمَا صَحَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ سَبَقَ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ٧] فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.
القصة الثانية قصة موسى عليه السلام
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧)