بِالْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى مَكَّنَ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَعْطَاهُمُ السَّلْطَنَةَ عَلَيْهَا فَوَجَبَ كَوْنُهُمْ آتِينَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ. وَإِذَا كَانُوا آمِرِينَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَنَاهِينَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ، فَمِنْ هَذَا الوجه دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِمَامَةِ الْأَرْبَعَةِ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ سَلْطَنَتِهِمْ وَمُلْكِهِمْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ إِنَّ الْأُمُورَ تَرْجِعُ إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالْعَاقِبَةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي/ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ أَبَدًا وَهُوَ أَيْضًا يُؤَكِّدُ ما قلناه.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ إلى قوله فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَذِنَ فِي مُقَاتَلَتِهِمْ وَضَمِنَ لِلرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ النُّصْرَةَ وَبَيَّنَ أَنَّ للَّه عَاقِبَةَ الْأُمُورِ، أَرْدَفَهُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَذِيَّتِهِ وَأَذِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّكْذِيبِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ سَائِرُ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءَهُمْ، وَذَكَرَ اللَّه سَبْعَةً مِنْهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ قَالَ: وَكُذِّبَ مُوسى وَلَمْ يَقُلْ قَوْمُ مُوسَى؟ فَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَهُمُ الْقِبْطُ الثَّانِي: كَأَنَّهُ قِيلَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ تَكْذِيبَ كُلِّ قَوْمٍ رَسُولَهُ، وَكُذِّبَ مُوسَى أَيْضًا مَعَ وُضُوحِ آيَاتِهِ وَعِظَمِ مُعْجِزَاتِهِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ يَعْنِي أَمْهَلْتُهُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ عِنْدِي ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِ [يٌّ] ، أَيْ فَكَيْفَ كَانَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ، أَلَيْسَ كَانَ وَاقِعًا/ قَطْعًا؟ أَلَمْ أُبْدِلْهُمْ بِالنِّعْمَةِ نِقْمَةً وَبِالْكَثْرَةِ قِلَّةً وَبِالْحَيَاةِ مَوْتًا وَبِالْعِمَارَةِ خَرَابًا؟ أَلَسْتُ أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ جَمِيعَ مَا وَعَدْتُهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَالتَّمْكِينِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ. فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَادَتُكَ يَا مُحَمَّدُ الصَّبْرَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُمْهِلُ لِلْمَصْلَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الرِّضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بِدُونِ ذَلِكَ يَحْصُلُ التَّسْلِيَةُ لِمَنْ حَالُهُ دُونَ حَالِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَيْفَ بِذَلِكَ مَعَ مَنْزِلَتِهِ، لَكِنَّهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِمْ مَا يَزِيدُهُ غَمًّا، فَأَجْرَى اللَّه عَادَتَهُ بِأَنْ يُصَبِّرَهُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ وَبِأَيِّ جِنْسٍ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ هَلَكُوا.
وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ بِهِ وَبِقَوْمِهِ كُلَّ مَا فَعَلَ بِهِمْ وَبِقَوْمِهِمْ إِلَّا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ بِقَوْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَكَّنَهُمْ مِنْ قَتْلِ أَعْدَائِهِمْ وَثَبَّتَهُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: السَّبَبُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute