للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٍ

[الزمر: ٦٢] يَخْرُجُ عَنْهُ لَا بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ، بَلْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ التَّرْكِيبَ وَضْعِيٌّ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ لَمْ يُوضَعْ حِينَئِذٍ إِلَّا لِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ ثَانِيهَا: الْقَدَرُ التَّقْدِيرُ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٣] وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَقَدْ قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَا هُوَ قَادِرُ

أَيْ قَدَّرَ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، كَمَا يَرْمِي الرَّامِي السَّهْمَ فَيَقَعُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرَهُ، بَلْ خَلَقَ اللَّه كَمَا قَدَّرَ بِخِلَافِ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ إِنَّهُ فَاعِلٌ لِذَاتِهِ وَالِاخْتِلَافُ لِلْقَوَابِلِ، فَالَّذِي جَاءَ قَصِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَلِاسْتِعْدَادِ مَادَّتِهِ، وَالَّذِي جَاءَ طَوِيلًا أَوْ كَبِيرًا فَلِاسْتِعْدَادٍ آخَرَ، فَقَالَ تَعَالَى:

كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ مِنَّا فَالصَّغِيرُ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا، وَالْكَبِيرُ جَازَ خَلْقُهُ صَغِيرًا ثَالِثُهَا: بِقَدَرٍ هُوَ مَا يُقَالُ مَعَ الْقَضَاءِ، يُقَالُ بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَرِهِ، وَقَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي مَعَ الْقَضَاءِ: إِنَّ مَا يُقْصَدُ إِلَيْهِ فَقَضَاءٌ وَمَا يَلْزَمُهُ فَقَدَرٌ، فَيَقُولُونَ: خَلْقُ النَّارِ حَارَّةً بِقَضَاءٍ وَهُوَ مَقْضِيٌّ بِهِ لِأَنَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ، لَكِنْ مِنْ لَوَازِمِهَا أَنَّهَا إِذَا تَعَلَّقَتْ بِقُطْنِ عَجُوزٍ أَوْ وَقَعَتْ فِي قصب صعلوك تخرقه، فَهُوَ بِقَدَرٍ لَا بِقَضَاءٍ، وَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ، بَلِ الْقَضَاءُ مَا فِي الْعِلْمِ وَالْقَدَرُ مَا فِي الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُ: كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أَيْ بِقَدَرِهِ مَعَ إِرَادَتِهِ، لَا عَلَى مَا يقولون إنه موجب ردا على المشركين. / ثم قال تعالى:

[[سورة القمر (٥٤) : آية ٥٠]]

وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)

أَيْ إِلَّا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ: (كُنْ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ، وَعَلَى هَذَا فاللَّه إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: (كُنْ) فَهُنَاكَ شَيْئَانِ: الْإِرَادَةُ وَالْقَوْلُ، فَالْإِرَادَةُ قَدَرٌ، وَالْقَوْلُ قَضَاءٌ، وَقَوْلُهُ: واحِدَةٌ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: بَيَانُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَكْرِيرِ الْقَوْلِ إِشَارَةً إِلَى نَفَاذِ الْأَمْرِ ثَانِيهِمَا: بَيَانُ عَدَمِ اخْتِلَافِ الْحَالِ، فَأَمْرُهُ عِنْدَ خَلْقِ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ كَأَمْرِهِ عِنْدَ خَلْقِ النَّمْلِ الصَّغِيرِ، فَأَمْرُهُ عِنْدَ الْكُلِّ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ تَشْبِيهُ الْكَوْنِ لَا تَشْبِيهَ الْأَمْرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَمْرُنَا وَاحِدَةٌ، فَإِذْنُ الْمَأْمُورُ كَائِنٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْأَمْرِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ صِفَةَ مَدْحٍ يَلِيقُ بِهِ، فَإِنَّ كَلِمَةَ (كُنْ) شَيْءٌ أَيْضًا يُوجَدُ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحُكَمَاءُ، وَهِيَ أَنَّ مَقْدُورَاتِ اللَّه تَعَالَى هِيَ الْمُمْكِنَاتُ يُوجِدُهَا بِقُدْرَتِهِ، وَفِي عَدَمِهَا خِلَافٌ لَا يَلِيقُ بَيَانُهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ لِطُولِهِ لَا لِسَبَبِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يُوجِدُهَا اللَّه تَعَالَى قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: أُمُورٌ لَهَا أَجْزَاءٌ مُلْتَئِمَةٌ عِنْدَ الْتِئَامِهَا يَتِمُّ وُجُودُهَا، كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأَجْسَامِ النَّبَاتِيَّةِ والمعدنية وكذلك الأركان الأربعة، والسموات، وَسَائِرُ الْأَجْسَامِ وَسَائِرُ مَا يَقُومُ بِالْأَجْسَامِ مِنَ الْأَعْرَاضِ، فَهِيَ كُلُّهَا مُقَدَّرَةٌ لَهُ وَحَوَادِثُ، فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا تُوجَدُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُوجَدُ فِيهَا التَّرْكِيبُ وَالِالْتِئَامُ بِعَيْنِهَا، فَفِيهَا تَقْدِيرَاتٌ نَظَرًا إِلَى الْأَجْزَاءِ وَالتَّرْكِيبِ وَالْأَعْرَاضِ وَثَانِيهِمَا: أُمُورٌ لَيْسَ لَهَا أَجْزَاءٌ وَمَفَاصِلُ وَمَقَادِيرُ امْتِدَادِيَّةٍ، وَهِيَ الْأَرْوَاحُ الشَّرِيفَةُ الْمُنَوِّرَةُ لِلْأَجْسَامِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا جَمِيعُ الْفَلَاسِفَةِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَوَافَقَهُمْ جَمْعٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَطَعَ بِهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ لَهُ قَلْبٌ مِنْ أَصْحَابِ الرِّيَاضَاتِ وَأَرْبَابِ الْمُجَاهَدَاتِ، فَتِلْكَ الْأُمُورُ وُجُودُهَا وَاحِدٌ لَيْسَ يُوجَدُ أَوَّلًا أَجْزَاءٌ، وَثَانِيًا تَتَحَقَّقُ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ بِخِلَافِ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِهَا، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا قَالُوا: الْأَجْسَامُ خَلْقِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ، وَالْأَرْوَاحُ إِبْدَاعِيَّةٌ أَمْرِيَّةٌ، وَقَالُوا إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] فَالْخَلْقُ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَمْرُ فِي الْأَرْوَاحِ ثُمَّ قَالُوا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَخْبَارِ

فَإِنَّهُ صَلَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>