للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَايِحِ إِنَّ مَا نَقْطُهُ فَوْقُ لِمَنْ فَوْقَ الْبِئْرِ وَمَا نَقْطُهُ مِنْ أَسْفَلَ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ نَقْطَهُ مِنْ أَسْفَلَ لِمَنْ تَحْتُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ.

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَالَ فِي السَّحَابِ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً [الروم: ٤٨] مَعَ أَنَّهُ تَحْتَ الْقَمَرِ، وَقَالَ فِي الْقَمَرِ وَخَسَفَ الْقَمَرُ [الْقِيَامَةِ: ٨] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَمَرَ عِنْدَ الْخُسُوفِ لَهُ نَظِيرٌ فَوْقَهُ وَهُوَ الشَّمْسُ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالسَّحَابُ/ اعْتُبِرَ فِيهِ نِسْبَتُهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ حَيْثُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَقُلْ فِي الْقَمَرِ خَسْفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّحَابِ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّمْسِ وَفِي السَّحَابِ قِيلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَرْضِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: سَاقِطًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا يُقَالُ رَأَيْتُ زَيْدًا عَالِمًا وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ حَالًا كَمَا يُقَالُ ضَرْبَتُهُ قَائِمًا، وَالثَّانِي أَوَّلًا لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ عِنْدَ التَّعَدِّي إِلَى مَفْعُولَيْنِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، تَقُولُ أَرَى هَذَا الْمَذْهَبَ صَحِيحًا وَهَذَا الْوَجْهَ ظَاهِرًا وَعِنْدَ التَّعَدِّي إِلَى وَاحِدٍ تَكُونُ بِمَعْنَى رَأْيِ الْعَيْنِ فِي الأكثر تقول رأيت زيدا وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرٍ: ٨٤] ، وَقَالَ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً [مَرْيَمَ: ٢٦] وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ ساقِطاً فَائِدَةٌ لَا تَحْصُلُ فِي غَيْرِ السُّقُوطِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عندهم لا يجوز الانفصال على السموات وَلَا يُمْكِنُ نُزُولُهَا وَهُبُوطُهَا، فَقَالَ سَاقِطًا لِيَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا:

الِانْفِصَالُ وَالْآخَرُ: السُّقُوطُ وَلَوْ قَالَ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مُنْفَصِلًا أَوْ مُعَلَّقًا لَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي قَوْلِهِ يَقُولُوا فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ بَيَانَ الْعِنَادِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ سَرْدِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَسْتَخْرِجُونَ وُجُوهًا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُمُ التَّسْلِيمُ فَيَقُولُونَ سَحَابٌ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ عَقِيدَةٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَإِنْ يَرَوْا الْمُرَادُ الْعِلْمُ لِيَكُونَ أَدْخَلَ فِي الْعِنَادِ، أَيْ إِذَا عَلِمُوا وَتَيَقَّنُوا أَنَّ السَّمَاءَ سَاقِطَةٌ غَيَّرُوا وَعَانَدُوا، وَقَالُوا هَذَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ حِينَ يَعْجِزُونَ عَنِ التَّكْذِيبِ وَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ يَرْجِعُونَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَالتَّخْيِيلِ وَقَوْلُهُ مَرْكُومٌ أَيْ مُرَكَّبٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ السَّحَابَ كَالْهَوَاءِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْجِسْمِ فِيهِ، وَهَذَا أَقْوَى مَانِعٍ فَيَقُولُونَ إِنَّهُ رُكَامٌ فَصَارَ صُلْبًا قَوِيًّا.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي إِسْقَاطِ كَلِمَةِ الْإِشَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: يَقُولُوا هَذَا، إِشَارَةٌ إِلَى وُضُوحِ الْأَمْرِ وَظُهُورِ الْعِنَادِ فَلَا يَسْتَحْسِنُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مِرَاءٌ فَيَقُولُونَ سَحابٌ مَرْكُومٌ مَعَ حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ لِيَبْقَى لِلْقَائِلِ فِيهِ مَجَالٌ فَيَقُولُ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْخَلْقِ إِيَّاهُمْ، قُلْنَا سَحابٌ مَرْكُومٌ شَبَهُهُ وَمِثْلُهُ، وَأَنْ يَتَمَشَّى الْأَمْرُ مَعَ عَوَامِّهِمُ اسْتَمَرُّوا، وَهَذَا مَجَالُ مَنْ يَخَافُ مِنْ كَلَامٍ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا يُقْبَلُ، فَيَجْعَلُهُ ذَا وَجْهَيْنِ، فَإِنْ رَأَى النكر على أحدهما فسّره بالآخرون وإن رأى القبول خرج بمراده. ثم قال تعالى:

[[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٥]]

فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥)

أَيْ إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ فَدَعْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَذَرْهُمْ أَمْرٌ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَبْقَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>