للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْثُ الثَّانِي: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْمَكَانَةُ تَكُونُ مَصْدَرًا يُقَالُ: مَكُنَ مَكَانَةً إِذَا تَمَكَّنَ أَبْلَغَ التَّمَكُّنِ وَبِمَعْنَى الْمَكَانِ يُقَالُ: مَكَانٌ وَمَكَانَةٌ وَمُقَامٌ وَمُقَامَةٌ فَقَوْلُهُ: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ يَحْتَمِلُ اعْمَلُوا عَلَى تَمَكُّنِكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ وَأَقْصَى اسْتِطَاعَتِكُمْ وَإِمْكَانِكُمْ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ اعْمَلُوا عَلَى حَالَتِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أُمِرَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى حَالَةٍ عَلَى مَكَانَتِكَ يَا فُلَانُ أَيِ اثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ لَا تَنْحَرِفْ عَنْهُ: إِنِّي عامِلٌ أَيْ أَنَا عَامِلٌ عَلَى مَكَانَتِي الَّتِي عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى: اثْبُتُوا عَلَى كُفْرِكُمْ وَعَدَاوَتِكُمْ فَإِنِّي ثَابِتٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى مَضَارَّتِكُمْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لُهُ الْعَاقِبَةُ الْمَحْمُودَةُ وَطَرِيقَةُ هَذَا الْأَمْرِ طَرِيقَةُ قَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ وَهِيَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ.

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: مَنْ فِي قَوْلِهِ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْإِعْرَابِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ نَصْبٌ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى مَعْنَى: تَعْلَمُونَ أَيُّنَا تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ [الْكَهْفِ: ١٢] .

الْبَحْثُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يُوهِمُ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَتْ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ وَذَلِكَ مُشْكِلٌ.

قُلْنَا: الْعَاقِبَةُ تَكُونُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا تَكُونُ لَهُ كَمَا يُقَالُ: لَهُ الْكَثْرَةُ وَلَهُمُ الظَّفَرُ وَفِي ضِدِّهِ يُقَالُ: عَلَيْكُمُ الْكَثْرَةُ وَالظَّفَرُ.

الْبَحْثُ الْخَامِسُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: مَنْ يَكُونُ

بِالْيَاءِ وَفِي الْقَصَصِ أَيْضًا وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِي السُّورَتَيْنِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْعَاقِبَةُ مَصْدَرٌ كَالْعَافِيَةِ وَتَأْنِيثُهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَمَنْ أَنَّثَ فَكَقَوْلِهِ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ [المؤمنون: ٤١] وَمَنْ ذَكَّرَ فَكَقَوْلِهِ: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هُودٍ: ٦٧] وَقَالَ: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [يُونُسَ: ٥٧] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٧٥] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ قَوْلَهُ: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ تَهْدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ وَطَلَبٌ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لا يفلحون ولا يفوزون بمطالبهم البتة.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٦]]

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ قُبْحَ طَرِيقَتِهِمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ ذَكَرَ عَقِيبَهُ أَنْوَاعًا مِنْ جَهَالَاتِهِمْ وَرَكَاكَاتِ أَقْوَالِهِمْ تَنْبِيهًا عَلَى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَقِلَّةِ مَحْصُولِهِمْ وَتَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى كَلِمَاتِهِمْ فَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مِنْ حُرُوثِهِمْ كَالتَّمْرِ وَالْقَمْحِ وَمِنْ أَنْعَامِهِمْ كَالضَّأْنِ وَالْمَعَزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ نَصِيبًا فَقَالُوا:

هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ يُرِيدُ بِكَذِبِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لِلَّهِ فَكَيْفَ نُسِبُوا إِلَى الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِمْ: هَذَا لِلَّهِ؟

قُلْنَا: إِفْرَازُهُمْ النَّصِيبَيْنِ نَصِيبًا لِلَّهِ وَنَصِيبًا لِلشَّيْطَانِ هُوَ الْكَذِبُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ جَعَلُوا لله

<<  <  ج: ص:  >  >>