للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: رَجُلٌ بَيِّنُ الرَّجْلَةِ، أَيِ الْقُوَّةِ، وَهُوَ أَرْجَلُ الرَّجُلَيْنِ أَيْ أَقْوَاهُمَا، وَفَرَسٌ رَجِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ، وَالرَّجُلُ مَعْرُوفٌ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْمَشْيِ، وَارْتَجَلَ الْكَلَامَ أَيْ قَوِيَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إِلَى فِكْرَةٍ وَرَوِيَّةٍ، وَتَرَجَّلَ النَّهَارُ قَوِيَ ضِيَاؤُهُ، وَأَمَّا الدَّرَجَةُ فَهِيَ الْمَنْزِلَةُ وَأَصْلُهَا/ مِنْ دَرَجْتُ الشَّيْءَ أَدْرُجُهُ دَرْجًا، وَأَدْرَجْتُهُ إِدْرَاجًا إِذَا طَوَيْتَهُ، وَدَرَجَ الْقَوْمُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ أَيْ فَنُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ طَوَوْا عُمُرَهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْمَدْرَجَةُ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ، لِأَنَّهَا تَطْوِي مَنْزِلًا بَعْدَ مَنْزِلٍ، وَالدَّرَجَةُ الْمَنْزِلَةُ مِنْ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ الدَّرَجَةُ الَّتِي يُرْتَقَى فِيهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ فَضْلَ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ، إِلَّا أَنَّ ذِكْرَهُ هَاهُنَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّجُلَ أَزْيَدُ فِي الْفَضِيلَةِ مِنَ النِّسَاءِ فِي أُمُورٍ أَحَدُهَا: الْعَقْلُ وَالثَّانِي: فِي الدِّيَةِ وَالثَّالِثُ: فِي الْمَوَارِيثِ وَالرَّابِعُ: فِي صَلَاحِيَةِ الْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْخَامِسُ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ الزَّوْجِ وَالسَّادِسُ: أَنَّ نَصِيبَ الزَّوْجِ فِي الْمِيرَاثِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِهَا فِي الْمِيرَاثِ مِنْهُ وَالسَّابِعُ: أَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِهَا، وَإِذَا طَلَّقَهَا فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا، شَاءَتِ الْمَرْأَةُ أَمْ أَبَتْ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى تَطْلِيقِ الزَّوْجِ، وَبَعْدَ الطَّلَاقِ لَا تَقْدِرُ عَلَى مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِ وَلَا تَقْدِرُ أَيْضًا عَلَى أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ وَالثَّامِنُ: أَنَّ نَصِيبَ الرَّجُلِ فِي سَهْمِ الْغَنِيمَةِ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ الْمَرْأَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ فَضْلُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، ظَهَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْأَسِيرِ الْعَاجِزِ فِي يَدِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ»

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» ،

وَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لِأَجْلِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِلرِّجَالِ مِنَ الدَّرَجَةِ عَلَيْهِنَّ فِي الِاقْتِدَارِ كَانُوا مَنْدُوبِينَ إِلَى أَنْ يُوَفُّوا مِنْ حُقُوقِهِنَّ أَكْثَرَ، فَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ كَالتَّهْدِيدِ لِلرِّجَالِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى مُضَارَّتِهِنَّ وَإِيذَائِهِنَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ، كَانَ صُدُورُ الذَّنْبِ عَنْهُ أَقْبَحَ، وَاسْتِحْقَاقُهُ لِلزَّجْرِ أَشَدَّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حُصُولُ الْمَنَافِعِ وَاللَّذَّةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ السَّكَنُ وَالْأُلْفَةُ وَالْمَوَدَّةُ، وَاشْتِبَاكُ الْأَنْسَابِ وَاسْتِكْثَارُ الْأَعْوَانِ وَالْأَحْبَابِ وَحُصُولُ اللَّذَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ فِيهَا أَوْفَرُ، ثُمَّ إِنَّ الزَّوْجَ اخْتُصَّ بِأَنْوَاعٍ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ، وَهِيَ الْتِزَامُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَالذَّبُّ عَنْهَا، وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهَا، وَمَنْعُهَا عَنْ مَوَاقِعِ الْآفَاتِ، فَكَانَ قِيَامُ الْمَرْأَةِ بِخِدْمَةِ الرَّجُلِ آكَدَ وُجُوبًا، رِعَايَةً لِهَذِهِ الْحُقُوقِ الزَّائِدَةِ وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ [النِّسَاءِ: ٣٤]

وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا بِالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ بِالسُّجُودِ لِزَوْجِهَا»

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ غَالِبٌ لَا يُمْنَعُ، مُصِيبٌ أَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ، لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمَا احْتِمَالُ الْعَبَثِ والسفه والغلط والباطل.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٩]]

الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.