للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة آل عمران]

مائتا آية مدنية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)

أَمَّا تَفْسِيرُ الم فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ الم، اللَّهُ بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَنَصْبِ هَمْزَةِ: أَللَّهُ، وَالْبَاقُونَ مَوْصُولًا بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَمَّا قراءة عاصم فلها ووجهان الْأَوَّلُ: نِيَّةُ الْوَقْفِ ثُمَّ إِظْهَارُ الْهَمْزَةِ لِأَجْلِ الِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقْطَعُ أَلِفَ الْوَصْلِ، فَمَنْ فَصَلَ وَأَظْهَرَ الْهَمْزَةَ فَلِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا مَنْ نَصَبَ الْمِيمَ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَاخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ أَسْمَاءَ الْحُرُوفِ مَوْقُوفَةُ الْأَوَاخِرِ، يَقُولُ:

أَلِفٌ، لَامٌ، مِيمٌ، كَمَا تَقُولُ: وَاحِدٌ، اثْنَانِ، ثَلَاثَةْ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَجَبَ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: أَللَّهُ، فَإِذَا ابْتَدَأْنَا بِهِ نُثْبِتُ الْهَمْزَةَ مُتَحَرِّكَةً، إِلَّا أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا الْهَمْزَةَ لِلتَّخْفِيفِ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْمِيمِ لِتَدُلَّ حَرَكَتُهَا عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُبْقَاةِ بِسَبَبِ كَوْنِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُبْتَدَأً بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: إِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ فَصْلَ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى امْتَنَعَ إِسْقَاطُ الْهَمْزَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ هُوَ الْوَصْلَ امْتَنَعَ بَقَاءُ الْهَمْزَةِ مَعَ حَرَكَتِهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ بَقَاؤُهَا امْتَنَعَتْ حَرَكَتُهَا، وَامْتَنَعَ إِلْقَاءُ حَرَكَتِهَا، عَلَى الْمِيمِ.

قُلْنَا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَاقِطًا بِصُورَتِهِ بَاقِيًا بِمَعْنَاهُ فَأُبْقِيَتْ حَرَكَتُهَا لِتَدُلَّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْمَعْنَى هَذَا تَمَامُ تَقْرِيرِ قَوْلِ الْفَرَّاءِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَرَكَةِ الْمِيمِ الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَدَّهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَفِيهِ دِقَّةٌ وَلُطْفٌ، وَالْكَلَامُ فِي تَلْخِيصِهِ طَوِيلٌ.

وَأَقُولُ: فِيهِ بَحْثَانِ أَحَدُهُمَا: سَبَبُ أَصْلِ الْحَرَكَةِ وَالثَّانِي: كَوْنُ تِلْكَ الْحَرَكَةِ فَتْحَةً.

أَمَّا الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ:

الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: أَنَّ السَّاكِنَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فَإِنْ كَانَ السَّابِقُ مِنْهُمَا حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ لم يجب