اللَّهِ الْبَنَاتِ وَكَانُوا يَكْرَهُونَهُنَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [النَّحْلِ: ٦٢] / فَلَمَّا نَسَبُوا إِلَى اللَّهِ الْبَنَاتِ حَصَلَ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ قسمة جائزة وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يُرْهِقُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذاً جَوَابُ مَاذَا؟ نَقُولُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: نِسْبَتُكُمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ لَكُمُ الْبَنُونَ قِسْمَةٌ ضِيزَى الثَّانِي: نِسْبَتُكُمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ اعْتِقَادِكُمْ أَنَّهُنَّ نَاقِصَاتٌ وَاخْتِيَارِكُمُ الْبَنِينَ مَعَ اعْتِقَادِكُمْ أَنَّهُمْ كَامِلُونَ إِذَا كُنْتُمْ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى فِي نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ قِسْمَةٌ ضِيزَى، فَإِنْ قِيلَ مَا أَصْلُ إِذاً؟ قُلْنَا هُوَ إِذَا الَّتِي لِلظَّرْفِ قُطِعَتِ الْإِضَافَةُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِيهَا تَنْوِينٌ وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّكَ تَقُولُ آتِيكَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَكَأَنَّكَ أَضَفْتَ إِذَا لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَقُلْتَ آتِيكَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ آتِيكَ فَتَقُولُ لَهُ إِذَنْ أُكْرِمُكَ أَيْ إِذَا أَتَيْتَنِي أُكْرِمُكَ فَلَمَّا حَذَفْتَ الْإِتْيَانَ لِسَبْقِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ أَتَيْتَ بَدَلَهُ بِتَنْوِينٍ وَقُلْتَ إِذَنْ كَمَا تَقُولُ: وَكُلًّا آتَيْنَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ضِيزى قُرِئَ بِالْهَمْزَةِ وَبِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَعَلَى الْأُولَى هِيَ فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ كَذِكْرَى عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ أَيْ قِسْمَةٌ ضَائِزَةٌ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ هِيَ فُعْلَى وَكَانَ أَصْلُهَا ضُوزَى لَكِنَّ عَيْنَ الْكَلِمَةِ كَانَتْ يَائِيَّةً فَكُسِرَتِ الْفَاءُ لِتَسْلَمَ الْعَيْنُ عَنِ الْقَلْبِ كَذَلِكَ فُعِلَ بِبِيضٍ فَإِنَّ جَمْعَ أَفْعَلَ فُعْلٌ تَقُولُ أَسْوَدُ وَسُودٌ وَأَحْمَرُ وَحُمْرٌ وَتَقُولُ أَبْيَضُ وَبِيضٌ وَكَانَ الْوَزْنُ بيض وَكَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ قَلْبُ الْعَيْنِ فَكُسِرَتِ الْبَاءُ وتركت الباء عَلَى حَالِهَا، وَعَلَى هَذَا ضِيزَى لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ ضَائِزَةٍ، تَقُولُ فَاضِلٌ وَأَفْضَلُ وَفَاضِلَةٌ وَفُضْلَى وَكَبِيرٌ وَأَكْبَرُ وَكَبِيرَى وَكُبْرَى كَذَلِكَ ضَائِزٌ وَضُوَزٌ وَضَائِزَةٌ وَضُوزَى عَلَى هَذَا نَقُولُ أَضْوَزُ مِنْ ضَائِزٍ وَضِيزَى مِنْ ضَائِزَةٍ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتَ مِنْ قَبْلُ إِنَّ قَوْلَهُ أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطُّورِ: ٣٩] لَيْسَ بِمَعْنَى إِنْكَارِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ بِمَعْنَى إِنْكَارِ الْأَوَّلِ وَإِظْهَارِ النُّكْرِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي، كَمَا تَقُولُ أَتَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْكَرُ الثَّانِي، وَهَاهُنَا قَوْلُهُ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَنْكَرَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا نَقُولُ قَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلَانِ: أَمَّا إِنْكَارُ الْأَمْرَيْنِ فَظَاهِرٌ فِي الْمَشْهُورِ، أَمَّا إِنْكَارُ الْأَوَّلِ فَثَابِتٌ بِوُجُوهٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ كَيْفَ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ وَقَدْ صَارَ لَكُمُ الْبَنُونَ بِقُدْرَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ الشُّورَى: ٤٩] خَالِقُ الْبَنِينَ لَكُمْ لَا يَكُونُ لَهُ بَنَاتٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى فَنَقُولُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تِلْكَ عَائِدَةٌ إِلَى النِّسْبَةِ أَيْ نِسْبَتُكُمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ لَكُمُ الْبَنِينَ قِسْمَةٌ ضَائِزَةٌ فَالْمُنْكَرُ تِلْكَ النِّسْبَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ الْقِسْمَةَ نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ أَيَجُوزُ جَعْلُ الْبَنَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ وَاحِدًا إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ شَيْءٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى السَّوِيَّةِ فَيَأْخُذُ نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِي مِنَ النِّصْفِ الْبَاقِي نِصْفَهُ لِظَالِمِهِ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ فَقَالَ هَذِهِ قِسْمَةٌ ضَائِزَةٌ لَا لِكَوْنِهِ أَخَذَ النِّصْفَ فَذَلِكَ حَقُّهُ بَلْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُوصِلْ إليه النصف الباقي.
[[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٣]]
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ وَفِيهِ/ مَبَاحِثُ تَدُقُّ عَنْ إِدْرَاكِ اللُّغَوِيِّ إِنْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ حَظٌّ عَظِيمٌ، وَلْنَذْكُرْ مَا قِيلَ فِيهِ أَوَّلًا فَنَقُولُ قِيلَ مَعْنَاهُ: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ، أَيْ كَوْنُهَا إِنَاثًا وَكَوْنُهَا مَعْبُودَاتٍ أَسْمَاءٌ لَا مُسَمًّى لَهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِإِنَاثٍ حَقِيقَةً وَلَا مَعْبُودَاتٍ، وَقِيلَ أَسْمَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute