للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، فَثَبَتَ دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ/ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مَقْبُولَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ، فَأَجَابَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَطْلُوبَهُمْ فَإِذَا قَبِلَ شَفَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعَفْوِ عَنِ الذَّنْبِ، فَلِأَنْ يَقْبَلَ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كان أولى.

النوع الرابع: من دعائهم:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٩٤]]

رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ فِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ ثُمَّ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ. وَثَانِيهَا: وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى تَصْدِيقِ رُسُلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَذْكُورَةٌ عَقِيبَ ذِكْرِ الْمُنَادِي لِلْإِيمَانِ وَهُوَ، الرَّسُولُ وَعَقِيبَ قَوْلِهِ: فَآمَنَّا وَهُوَ التَّصْدِيقُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هاهنا سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الْخُلْفَ فِي وَعْدِ اللَّهِ مُحَالٌ، فَكَيْفَ طَلَبُوا بِالدُّعَاءِ مَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَا مَحَالَةَ وَاقِعٌ؟

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الدُّعَاءِ طَلَبَ الْفِعْلِ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالدُّعَاءِ فِي أَشْيَاءَ نَعْلَمُ قطعا أنها توجد لا محالة، كقوله: قل رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الْأَنْبِيَاءِ: ١١٢] وَقَوْلِهِ: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غَافِرٍ: ٧] .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ: أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ لَا يَتَنَاوَلُ آحَادَ الْأُمَّةِ بِأَعْيَانِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُمْ بِحَسَبِ أَوْصَافِهِمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ الْمُتَّقِينَ بِالثَّوَابِ، وَوَعَدَ الْفُسَّاقَ بِالْعِقَابِ، فَقَوْلُهُ: وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا مَعْنَاهُ: وَفِّقْنَا لِلْأَعْمَالِ الَّتِي بِهَا نَصِيرُ أَهْلًا لِوَعْدِكَ، وَاعْصِمْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي نَصِيرُ بِهَا أَهْلًا لِلْعِقَابِ/ وَالْخِزْيِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ طَلَبَ التَّوْفِيقِ لِلطَّاعَةِ وَالْعِصْمَةِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَنْصُرَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَقْهَرَ عَدُوَّهُمْ، فَهُمْ طَلَبُوا تَعْجِيلَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا طَلَبُوا مَنَافِعَ الْآخِرَةِ بِحُكْمِ الْوَعْدِ لَا بِحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ قَالُوا: إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعادَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِحُصُولِ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ هُوَ الوعد لا الاستحقاق.

المسألة الرابعة: هاهنا سُؤَالٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الثَّوَابُ كَانَ انْدِفَاعُ الْعِقَابِ لَازِمًا لَا مَحَالَةَ، فَقَوْلُهُ:

آتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ طَلَبٌ لِلثَّوَابِ، فَبَعْدَ طَلَبِ الثَّوَابِ كَيْفَ طُلِبَ تَرْكُ الْعِقَابِ؟ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بَلْ لَوْ طُلِبَ تَرْكُ الْعِقَابِ أَوَّلًا ثُمَّ طُلِبَ إِيصَالُ الثَّوَابِ كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا.

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الثَّوَابَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً مَقْرُونَةً بِالتَّعْظِيمِ والسرور فقوله: آتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَنَافِعُ، وَقَوْلُهُ: وَلا تُخْزِنا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْظِيمُ، الثَّانِي: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ