للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ لِقَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ الرُّؤْيَةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ اللِّقَاءَ وَالْمُلَاقَاةَ بِمَعْنًى وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْوُصُولِ حَتَّى أَنَّ جَمَادَيْنِ إِذَا تَوَاصَلَا فَقَدْ لَاقَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ مِنَ الرَّجَاءِ الْخَوْفُ وَالْمَعْنَى مِنْ قوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ مَنْ كَانَ يَخَافُ اللَّهَ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرَّجَاءِ هُوَ تَوَقُّعُ الْخَيْرِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الرَّجَاءَ وَرَدَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ أَرْجُو فَضْلَ اللَّهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَخَافُ فَضْلَ اللَّهِ، وَإِذَا كَانَ وَارِدًا لِهَذَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَجَلِ اللَّهِ الْمَوْتَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ بِالْحَشْرِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْتَ فَهَذَا يُنْبِئُ عَنْ بَقَاءِ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ مَنْ كَانَ يَرْجُو الْخَيْرَ فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَاصِلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مُتَّصِلًا بِوُصُولِ السُّلْطَانِ يَكُونُ هُوَ الْخَيْرَ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ هُوَ وَتَأَخَّرَ الْخَيْرُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْقَائِلِ، أَمَا قُلْتَ مَا قُلْتَ وَوَصَلَ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَظْهَرِ الْخَيْرُ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلِ اللِّقَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَمَا حَسُنَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِثَالِ، وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَلَوْلَا الْبَقَاءُ لَمَا حَصَلَ اللِّقَاءُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا شَرْطٌ وَجَزَاؤُهُ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَمَنْ لَا يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ لَا يَكُونُ أَجَلُ اللَّهِ آتِيًا لَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ؟ نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ إِتْيَانِ الْأَجَلِ وَعْدُ الْمُطِيعِ بِمَا بَعْدَهُ مِنَ الثَّوَابِ، يَعْنِي مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لِآتٍ بِثَوَابِ اللَّهِ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ عِنْدَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَا يَرْجُوهُ لَا يَكُونُ أَجَلُ اللَّهِ آتِيًا عَلَى وَجْهٍ يُثَابُ هُوَ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةً غَيْرَهُمَا كَالْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا وَسَبَقَ الْفِعْلُ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَبِقَوْلِهِ:

فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَبِقَوْلِهِ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ وَالْعَمَلُ مِنْهُ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ وَمِنْهُ مَا يُدْرَكُ بِهِ كَالْقُصُودِ وَالْعِلْمُ يَشْمَلُهُمَا وَهُوَ السَّمِيعُ يَسْمَعُ مَا قَالُوهُ وَهُوَ الْعَلِيمُ يَعْلَمُ مَنْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ: مِمَّنْ كَذَبَ وَأَيْضًا عليم يعلم ما يعمل فيثيب ويعاقب وهاهنا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ هِيَ أَصْنَافُ حَسَنَاتِهِ أَحَدُهَا: عَمَلُ قَلْبِهِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ لَا يُرَى وَلَا يُسْمَعُ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ وَعَمَلُ لِسَانِهِ وَهُوَ يُسْمَعُ وَعَمَلُ أَعْضَائِهِ وَجَوَارِحِهِ وَهُوَ يُرَى فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجْعَلُ اللَّهُ لِمَسْمُوعِهِ مَا لَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلِمَرْئِيِّهِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلِعَمَلِ قَلْبِهِ مَا لَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ أَحَدٍ، كَمَا وصف في الخبر في وصف الجنة. ثم قال تعالى:

[[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٦]]

وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦)

[في قوله تعالى وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ] لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ التَّكْلِيفَ حَسَنٌ وَاقِعٌ وَأَنَّ عَلَيْهِ وَعْدًا وَإِيعَادًا لَيْسَ لَهُمَا دَافِعٌ، بَيَّنَ أَنَّ طَلَبَ اللَّهِ ذَلِكَ/ مِنَ الْمُكَلِّفِ لَيْسَ لِنَفْعٍ يَعُودُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ مُطْلَقًا لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرُهُ يَتَوَقَّفُ كَمَالُهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ [فُصِّلَتْ: ٤٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الْإِسْرَاءِ: ٧] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْآيَةُ السَّابِقَةُ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبَانِ إِكْثَارَ الْعَبْدِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِتْقَانَهُ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا لِأَجْلِ مَلِكٍ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمَلِكَ يَرَاهُ وَيُبْصِرُهُ يُحْسِنُ الْعَمَلَ وَيُتْقِنُهُ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ نَفْعَهُ لَهُ وَمُقَدَّرٌ بقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>