[الحاقة: ١، ٢] والْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ [الْقَارِعَةِ: ١، ٢] وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يُذْكَرُ لِلْإِخْبَارِ كَمَا أَنَّ صِيغَةَ هَلْ تُذْكَرُ لِلِاسْتِفْهَامِ فَيُقَالُ زَيْدٌ فِي الدَّارِ؟ بِمَعْنَى هَلْ زَيْدٌ فِي الدَّارِ، وَيَقُولُ الْمُنْجِزُ وَعْدَهُ هَلْ صَدَقْتُ؟ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: عَذَابِي وَقَعَ وَكَيْفَ كَانَ أَيْ كَانَ عَظِيمًا وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَى عِلْمِ مَنْ يُسْتَفْهَمُ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ تعالى من قبل: فَفَتَحْنا، وفَجَّرْنَا، وبِأَعْيُنِنا وَلَمْ يَقُلْ كَيْفَ كَانَ عَذَابُنَا نَقُولُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَفْظِيٌّ وَهُوَ أَنَّ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ يُمْكِنُ حَذْفُهَا لِأَنَّهَا فِي اللَّفْظِ تَسْقُطُ كَثِيرًا فِيمَا إِذَا الْتَقَى سَاكِنَانِ، تَقُولُ: غُلَامِي الَّذِي، وَدَارِي الَّتِي، وَهُنَا حُذِفَتْ لِتَوَاخِي آخِرِ الْآيَاتِ، وَأَمَّا النُّونُ وَالْأَلِفُ فِي ضَمِيرِ الْجَمْعِ فَلَا تُحْذَفُ وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمَعْنَوِيُّ فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم فَتَوْحِيدُ الضَّمِيرِ لِلْأَنْبَاءِ، وَفِي فَتَحْنَا وَفَجَّرْنَا لِتَرْهِيبِ الْعُصَاةِ، وَنَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: مُدَّكِرٍ [القمر: ١٥] فيه إشارة إلى قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] فَلَمَّا وُحِّدَ الضَّمِيرُ بِقَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: النُّذُرُ جَمْعُ نَذِيرٍ فَهَلْ هُوَ مَصْدَرٌ كَالنَّسِيبِ وَالنَّحِيبِ أَوْ فَاعِلٌ كَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ؟ نَقُولُ:
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ هَاهُنَا، أَيْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ عَذَابِي وَعَاقِبَةُ إِنْذَارِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَنْبَاءُ، أَيْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ؟ هَلْ أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَمْ لَا؟ فَإِذَا عَلِمْتَ الْحَالَ يَا مُحَمَّدُ فَاصْبِرْ فَإِنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِكَ كَعَاقِبَةِ أُولَئِكَ النُّذُرِ وَلَمْ يُجْمَعِ الْعَذَابُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَلَوْ جُمِعَ لَكَانَ فِي جَمْعِهِ تَقْدِيرٌ وَفَرْضٌ وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قيل: قوله تعالى: (كذبت ثمود بالنذر) أَيْ بِالْإِنْذَارَاتِ لِأَنَّ الْإِنْذَارَاتِ جَاءَتْهُمْ، وَأَمَّا الرُّسُلُ فَقَدْ جَاءَهُمْ وَاحِدٌ، نَقُولُ: كُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ من الأمم الذين أشركوا بالله كذبوا بِالرُّسُلِ وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مُكَذِّبِينَ بِالْكُلِّ مَا خَلَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ الْخَيْرَ لِكَوْنِهِ شَيْخَ الْمُرْسَلِينَ فَلَا يُقَالُ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) ، أَيْ بِالْأَنْبِيَاءِ بِأَسْرِهِمْ، كَمَا أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ تكذبون بهم.
[[سورة القمر (٥٤) : آية ١٧]]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: لِلْحِفْظِ فَيُمْكِنُ حِفْظُهُ وَيَسْهُلُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى يُحْفَظُ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ غَيْرَ الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَيْ هَلْ مَنْ يَحْفَظُ وَيَتْلُوهُ الثَّانِي: سَهَّلْنَاهُ لِلِاتِّعَاظِ حَيْثُ أَتَيْنَا فِيهِ بِكُلِّ حِكْمَةٍ الثَّالِثُ: جَعَلْنَاهُ بِحَيْثُ يَعْلَقُ بِالْقُلُوبِ وَيُسْتَلَذُّ سَمَاعُهُ وَمَنْ لَا يَفْهَمُ يَتَفَهَّمُهُ وَلَا يَسْأَمُ مِنْ سَمْعِهِ وَفَهْمِهِ وَلَا يَقُولُ قَدْ عَلِمْتُ فَلَا أَسْمَعُهُ بَلْ كُلَّ سَاعَةٍ يَزْدَادُ مِنْهُ لَذَّةً وَعِلْمًا. الرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذُكِّرَ بِحَالِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ لَهُ مُعْجِزَةٌ قِيلَ لَهُ: إِنَّ مُعْجِزَتَكَ الْقُرْآنُ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ تَذْكِرَةً لِكُلِّ أَحَدٍ وَتَتَحَدَّى بِهِ فِي الْعَالَمِ وَيَبْقَى عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ، وَلَا يَحْتَاجُ كُلُّ مَنْ يَحْضُرُكَ إِلَى دُعَاءٍ وَمَسْأَلَةٍ فِي إِظْهَارِ مُعْجِزَةٍ، وَبَعْدَكَ لَا يُنْكِرُ أَحَدٌ وُقُوعَ مَا وَقَعَ كَمَا يُنْكِرُ الْبَعْضُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَيْ مُتَذَكِّرٍ لِأَنَّ الِافْتِعَالَ وَالتَّفَعُّلَ كَثِيرًا مَا يَجِيءُ بِمَعْنًى، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هذا يقتضي وجود أمر سابق فنسي، تقول: مَا فِي الْفِطْرَةِ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ هُوَ كَالْمَنْسِيِّ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يَرْجِعُ إِلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ/ وَقِيلَ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَيْ حافظ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute