للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ تَقْدِيرُهُ وَيُجِيبُ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَحَلُّهُ نَصْبٌ وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ وَهُوَ اللَّهُ وَتَقْدِيرُهُ، وَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ اللَّامُ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ وَإِذا كالُوهُمْ [الْمُطَفِّفِينَ: ٣] وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْخَبَرَ فِيمَا قَبْلُ وَبَعْدُ عَنِ اللَّهِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَمَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فيزيد عُطِفَ عَلَى وَيَسْتَجِيبُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَيُجِيبُ الْعَبْدَ وَيَزِيدُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.

أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الْفِعْلَ لِلَّذِينِ آمَنُوا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَيُجِيبُ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَالثَّانِي:

يُطِيعُونَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَالِاسْتِجَابَةُ الطَّاعَةُ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الْفِعْلَ لِلَّهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ يُجِيبُ اللَّهُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَزِيدُهُمْ مَا طَلَبُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنْ قَالُوا تَخْصِيصُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُجِيبُ دُعَاءَ الْكُفَّارِ؟ قُلْنَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ تَعْظِيمٌ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْكُفَّارِ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ، وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْكَافِرِينَ تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ، ثُمَّ قَالَ:

وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ يَزِيدُهُمْ عَلَى مَا طَلَبُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالْمَقْصُودُ التَّهْدِيدُ.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٧ الى ٣١]

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إِنَّهُ يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَكُونُ فِي شِدَّةٍ وَبَلِيَّةٍ وَفَقْرٍ ثُمَّ يَدْعُو فَلَا يُشَاهِدُ أَثَرَ الْإِجَابَةِ فَكَيْفَ الْحَالُ فِيهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا؟ فَأَجَابَ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أَيْ وَلَأَقْدَمُوا عَلَى الْمَعَاصِي، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَحْذُورًا وَجَبَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ مَا طَلَبُوهُ، قَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُجْبِرَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أن حاصل الكلام أنه تعالى: لو بسط الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَالْبَغْيُ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِرَادَةُ بَسْطِ الرِّزْقِ غَيْرُ حَاصِلَةٍ، فَهَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْبَغْيَ فِي الْأَرْضِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ فَسَادَ قَوْلِ الْمُجْبِرَةِ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُرِدْ بَسْطَ الرِّزْقِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ مَا يُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ فَبِأَنْ لَا يَكُونَ مُرِيدًا لِلْمَفْسَدَةِ كَانَ أَوْلَى، أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَيْلَ الشَّدِيدَ إِلَى الْبَغْيِ وَالْقَسْوَةِ وَالْقَهْرِ صِفَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ فَاعِلٍ، وَفَاعِلُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ إِمَّا الْعَبْدُ أَوِ اللَّهُ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَوْ مَالَ طَبْعُهُ إِلَيْهَا فَيَعُودُ السُّؤَالُ فِي أَنَّهُ مَنِ الْمُحْدِثِ لِذَلِكَ الْمِيلِ الثَّانِي؟ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَأَيْضًا فَالْمَيْلُ الشَّدِيدُ إِلَى الظُّلْمِ وَالْقَسْوَةِ عُيُوبٌ وَنُقْصَانَاتٌ، وَالْعَاقِلُ لَا يَرْضَى بِتَحْصِيلِ مُوجِبَاتِ النُّقْصَانِ لِنَفْسِهِ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ مُحْدِثَ هَذَا الْمَيْلِ وَالرَّغْبَةِ هُوَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>