بِالْفَاءِ فَلَا تَقُولُ: وَبِالْفَاءِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَقُولُ: كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ فَذُوقُوا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: النُّذُرُ كَيْفَ يُذَاقُ؟ نَقُولُ: مَعْنَاهُ ذُقْ فِعْلَكَ أَيْ مُجَازَاةَ فِعْلِكَ وَمُوجَبَهُ وَيُقَالُ: ذُقِ الْأَلَمَ عَلَى فِعْلِكَ وَقَوْلُهُ: فَذُوقُوا عَذابِي كَقَوْلِهِمْ: ذُقِ الْأَلَمَ، وَقَوْلُهُ: وَنُذُرِ كَقَوْلِهِمْ ذُقْ فِعْلَكَ أَيْ ذُقْ مَا لَزِمَ مِنْ إِنْذَارِي، فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْعَطْفُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَذُوقُوا عَذابِي وَمَا لَزِمَ مِنْ إِنْذَارِي وَهُوَ الْعَذَابُ يَكُونُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: ذُوقُوا عَذَابِي وَعَذَابِي؟ نَقُولُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذُوقُوا عَذابِي أَيِ الْعَاجِلَ مِنْهُ، وَمَا لَزِمَ مِنْ إِنْذَارِي وَهُوَ الْعَذَابُ الْآجِلُ، لِأَنَّ الْإِنْذَارَ كَانَ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ذُوقُوا عَذَابِي الْعَاجِلَ وَعَذَابِي الْآجِلَ، فَإِنْ قِيلَ: هُمَا لَمْ يَكُونَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ: ذُوقُوا، نَقُولُ: الْعَذَابُ الْآجِلُ أَوَّلُهُ مُتَّصِلٌ بِآخِرِ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ، فَهُمَا كَالْوَاقِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح: ٢٥] . / ثم قال تعالى:
[[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٨]]
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)
أَيِ الْعَذَابُ الَّذِي عَمَّ الْقَوْمَ بَعْدَ الْخَاصِّ الَّذِي طَمَسَ أَعْيُنَ الْبَعْضِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: صَبَّحَهُمْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الصُّبْحِ، فَمَا مَعْنَى: بُكْرَةً؟ نَقُولُ: فَائِدَتُهُ تَبْيِينُ انْطِرَاقِهِ فِيهِ، فَقَوْلُهُ: بُكْرَةً يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى أَنَّهَا ظرف، ومثله نقوله فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الْإِسْرَاءِ: ١] وَفِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ قَالَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: لَيْلًا وَقَالَ:
جَوَابًا فِي التَّنْكِيرِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، وَتَمَسَّكَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُبْهَمَ يُذْكَرُ لِبَيَانِ أَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمَقْصُودِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَيَانَهُ، كَمَا يَقُولُ: خَرَجْنَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ بيان الوقت المعين، وَلَوْ قَالَ: خَرَجْنَا، فَرُبَّمَا يَقُولُ السَّامِعُ: مَتَى خَرَجْتُمْ، فَإِذَا قَالَ: فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ غَرَضَهُ بَيَانُ الْخُرُوجِ لَا تَعْيِينُ وَقْتِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً أَيْ بكرة من البكر وأَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا أَيْ لَيْلًا مِنَ اللَّيَالِي فَلَا أُبَيِّنُهُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ الْإِسْرَاءِ، وَلَوْ قَالَ: أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَكَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَقُولَ: أَيُّمَا لَيْلَةٍ؟ فَإِذَا قَالَ: لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَطَعَ سُؤَالَهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُبَيِّنُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ الْوَقْتَ، فَهَذَا أَقْرَبُ فَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا فِي أَسْرَى لَيْلًا، فَاعْلَمْ مِثْلَهُ فِي: صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: صَبَّحَهُمْ بِمَعْنَى قَالَ لَهُمْ: عِمُوا صَبَاحًا اسْتِهْزَاءً بِهِمْ، كَمَا قَالَ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آلِ عِمْرَانَ: ٢١] فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَاءَهُمُ الْعَذَابُ بُكْرَةً كَالْمُصَبِّحِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَيُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَهُوَ أَنَّ: صَبَّحَهُمْ مَعْنَاهُ أَتَاهُمْ وَقْتَ الصُّبْحِ، لَكِنَّ التَّصْبِيحَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِتْيَانِ فِي أَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَوَّلِ الصُّبْحِ إِلَى مَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ، فَإِذَا قَالَ: بُكْرَةً أَفَادَ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْهُ، وَمَا أُخِّرَ إِلَى الْأَسْفَارِ، وَهَذَا أَوْجَهُ وَأَلْيَقُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْعَدَهُمْ بِهِ وَقْتَ الصُّبْحِ، بِقَوْلِهِ: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هُودٍ: ٨١] وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ بِحُكْمِ الْإِخْبَارِ تَحَقُّقُهُ بِمَجِيءِ الْعَذَابِ فِي أَوَّلِ الصُّبْحِ، وَمُجَرَّدُ قِرَاءَةِ: صَبَّحَهُمْ مَا كَانَ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَقْوَى لِأَنَّكَ تَقُولُ: صَبِيحَةُ أَمْسِ بُكْرَةً وَالْيَوْمُ بُكْرَةً، فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بُكْرَةٌ مِنَ الْبِكْرِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبْتُهُ سَوْطًا ضَرْبًا فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ فِي ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute