للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا

[النُّورِ: ٣١] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّيْفُ مَصْدَرًا فَيُسْتَغْنَى عَنْ جَمْعِهِ كَمَا يُقَالُ: رِجَالٌ صُوَّمٌ. ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: رَشِيدٌ بِمَعْنَى مُرْشِدٍ أَيْ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَرُدُّ هَؤُلَاءِ الْأَوْبَاشَ عَنْ أَضْيَافِي. وَالثَّانِي: رَشِيدٌ بِمَعْنَى مُرْشَدٌ، وَالْمَعْنَى: أَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَرْشَدَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الصَّلَاحِ. وَأَسْعَدَهُ بِالسَّدَادِ وَالرَّشَادِ حَتَّى يَمْنَعَ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَاجَةٍ وَلَا شَهْوَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جُعِلَ نَفْيُ الْحَقِّ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ الْحَاجَةِ. الثَّانِي: أَنْ نُجْرِيَ اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَنَقُولَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُنَّ لَسْنَ لَنَا بِأَزْوَاجٍ وَلَا حَقَّ لَنَا فِيهِنَّ أَلْبَتَّةَ. وَلَا يَمِيلُ أَيْضًا طَبْعُنَا إِلَيْهِنَّ فَكَيْفَ قِيَامُهُنَّ مَقَامَ الْعَمَلِ الَّذِي نُرِيدُهُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَمَلِ الْخَبِيثِ. الثَّالِثُ: مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ لِأَنَّكَ دَعَوْتَنَا إِلَى نِكَاحِهِنَّ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ وَنَحْنُ لَا نُجِيبُكَ إِلَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَنَا فِيهِنَّ حَقٌّ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ لُوطٍ أَنَّهُ عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا الْكَلَامِ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: جَوَابُ «لَوْ» مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ: لَمَنَعْتُكُمْ وَلَبَالَغْتُ فِي دَفْعِكُمْ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [الرَّعْدِ: ٣١] وَقَوْلُهُ: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الْأَنْعَامِ:

٢٧] قَالَ الواحدي وحذف الجواب هاهنا لِأَنَّ الْوَهْمَ يَذْهَبُ إِلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَنْعِ وَالدَّفْعِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَيْ لَوْ أَنَّ لِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ عَلَيْكُمْ وَتَسْمِيَةُ مُوجِبِ الْقُوَّةِ بِالْقُوَّةِ جَائِزٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ [الْأَنْفَالِ: ٦٠] وَالْمُرَادُ السِّلَاحُ، وَقَالَ آخَرُونَ الْقُدْرَةُ عَلَى دَفْعِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ الْمَنِيعُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالرُّكْنِ الشَّدِيدِ مِنَ الْجَبَلِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا الْوَجْهُ هاهنا فِي عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ؟

قُلْنَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ أَوْ آوِي بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَنْ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ عَلَى فَائِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً كَوْنُهُ بِنَفْسِهِ قَادِرًا عَلَى الدَّفْعِ وَكَوْنُهُ مُتَمَكِّنًا إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِمُعَاوَنَةِ غَيْرِهِ عَلَى قَهْرِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: / أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الدَّفْعِ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَصُّنِ بِحِصْنٍ لِيَأْمَنَ مِنْ شَرِّهِمْ بِوَاسِطَتِهِ. الثَّالِثُ:

أَنَّهُ لَمَّا شَاهَدَ سَفَاهَةَ الْقَوْمِ وَإِقْدَامَهُمْ عَلَى سُوءِ الْأَدَبِ تَمَنَّى حُصُولَ قُوَّةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى الدَّفْعِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: بَلَى الْأَوْلَى أَنْ آوِيَ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَهُوَ الِاعْتِصَامُ بِعِنَايَةِ اللَّه تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ عَمَّا قَبْلَهُ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ لَا يَلْزَمُ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ، وَلِذَلِكَ

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رَحِمَ اللَّه أَخِي لُوطًا كَانَ يَأْوِي إِلَى ركن شديد» .

[[سورة هود (١١) : آية ٨١]]

قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)

<<  <  ج: ص:  >  >>