للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِفَايَةِ أُمُورِ الدِّينِ وَرَابِعُهَا: الْمُرَادُ تَقَلُّبُ بَصَرِهِ فِيمَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مِنْ

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم: «أتموا الركوع والسجود فو اللَّه إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي»

ثم قال: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ أَيْ لِمَا تَقُولُهُ الْعَلِيمُ أَيْ بِمَا تَنْوِيهِ وَتَعْمَلُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ سَمِيعًا أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِعِلْمِهِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَإِلَّا لَكَانَ لَفْظُ الْعَلِيمُ مُفِيدًا فَائِدَتَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قُرِئَ وَنُقَلِّبُكَ «١» .

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِضَةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ آبَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ/ وَبِالْخَبَرِ، أَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالُوا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَقَلَ رُوحَهُ مِنْ سَاجِدٍ إِلَى سَاجِدٍ كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ، وَإِذَا احْتَمَلَ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكُلِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ وَلَا رُجْحَانَ، وَأَمَّا الْخَبَرُ

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرَيْنِ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ»

وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَهُوَ نَجَسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التَّوْبَةِ: ٢٨] قَالُوا: فَإِنْ تَمَسَّكْتُمْ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الْأَنْعَامِ: ٧٤] قُلْنَا الْجَوَابُ: عَنْهُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمِّ كَمَا قَالَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ لَهُ: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [الْبَقَرَةِ: ١٣٣] فَسَمَّوْا إِسْمَاعِيلَ أَبًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَمًّا لَهُ،

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي»

يَعْنِي العباس، ويحتمل أيضا أن يكون متخذا لأصنام أَبَ أُمِّهِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُقَالُ لَهُ الْأَبُ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ إِلَى قَوْلِهِ: وَعِيسى [الْأَنْعَامِ: ٨٤، ٨٥] فَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ جَدَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّا نَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِأَبِيهِ آزَرَ وَمَا ذَكَرُوهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ قَوْلِهِ:

وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى كُلِّ مَعَانِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فلا يعارض القرآن.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ الى ٢٢٣]

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣)

اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعَادَ الشُّبْهَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَأَجَابَ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُدْعَوْنَ إِلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَدْعُو إِلَى لَعْنِ الشَّيْطَانِ وَالْبَرَاءَةِ عَنْهُ وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كان يَقِيسُونَ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالِ سَائِرِ الْكَهَنَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ فَكَمَا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى سَائِرِ الْكَهَنَةِ الْكَذِبُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي إِخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ إِلَّا الصِّدْقُ عَلِمْنَا أَنَّ حَالَهُ بِخِلَافِ حَالِ الْكَهَنَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرُوا فِي الْآيَةِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الشَّيَاطِينُ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ حُجِبُوا بِالرَّجْمِ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَخْتَطِفُونَ بَعْضَ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مما اطلعوا عليه


(١) في الكشاف (ويقلبك) .

<<  <  ج: ص:  >  >>