للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِضْمَارِ الْقَسَمِ تَقْدِيرُهُ: واللَّه لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَكُنَّا خَاسِرِينَ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا فَائِدَةُ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَنَحْنُ عُصْبَةٌ.

الْجَوَابُ: أَنَّهَا وَاوُ الْحَالِ حَلَفُوا لَئِنْ حَصَلَ مَا خَافَهُ مِنْ خَطْفِ الذِّئْبِ أَخَاهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ عَشَرَةُ رِجَالٍ بِمِثْلِهِمْ تُعْصَبُ الْأُمُورُ وَتُكْفَى الْخُطُوبُ إِنَّهُمْ إِذًا لَقَوْمٌ خَاسِرُونَ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.

الْجَوَابُ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: خَاسِرُونَ أَيْ هَالِكُونَ ضَعْفًا وعجزا، ونظيره قوله تعالى: لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٣٤] أَيْ لَعَاجِزُونَ: الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ يُدْعَى عَلَيْهِمْ بِالْخَسَارَةِ وَالدَّمَارِ وَأَنْ يُقَالَ خَسَّرَهُمُ اللَّه تَعَالَى وَدَمَّرَهُمْ حِينَ أَكَلَ الذِّئْبُ أَخَاهُمْ وَهُمْ حَاضِرُونَ. الثَّالِثُ: الْمَعْنَى أَنَّا إِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى حِفْظِ أَخِينَا فَقَدْ هَلَكَتْ مَوَاشِينَا وَخَسِرْنَاهَا. الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي خِدْمَةِ أَبِيهِمْ وَاجْتَهَدُوا فِي الْقِيَامِ بِمُهِمَّاتِهِ وَإِنَّمَا تَحَمَّلُوا تِلْكَ الْمَتَاعِبَ لِيَفُوزُوا مِنْهُ بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ فَقَالُوا: لَوْ قَصَّرْنَا فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ فَقَدْ أَحْبَطْنَا كُلَّ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَخَسِرْنَا كُلَّ مَا صَدَرَ مِنَّا مِنْ أَنْوَاعِ الْخِدْمَةِ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتَذَرَ بِعُذْرَيْنِ فَلِمَ أَجَابُوا عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ حِقْدَهُمْ وَغَيْظَهُمْ كَانَ بِسَبَبِ الْعُذْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ شِدَّةُ حُبِّهِ لَهُ فَلَمَّا سَمِعُوا ذِكْرَ ذلك المعنى تغافلوا عنه.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ١٥]]

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)

[قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِضْمَارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ قَالُوا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ فَأَذِنَ لَهُ وَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ ثُمَّ يَتَّصِلُ بِهِ قَوْلُهُ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ مِنْ جَوَابٍ إِذْ جَوَابُ لَمَّا غَيْرُ مَذْكُورٍ وَتَقْدِيرُهُ فَجَعَلُوهُ فِيهَا، وَحَذْفُ الْجَوَابِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ دَلِيلًا عليه وهاهنا كَذَلِكَ. قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَرَزَ مَعَ إِخْوَتِهِ أَظْهَرُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ الشَّدِيدَةَ، وَجَعَلَ هَذَا الْأَخُ يَضْرِبُهُ فَيَسْتَغِيثُ بِالْآخَرِ فَيَضْرِبُهُ وَلَا يَرَى فِيهِمْ رَحِيمًا فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا يَعْقُوبُ لَوْ تعلم ما يصنع بابنك، فقال يهوذا أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُمُونِي مَوْثِقًا أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْجُبِّ يُدْلُونَهُ فِيهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشَفِيرِ الْبِئْرِ فَنَزَعُوا قَمِيصَهُ، وَكَانَ غَرَضُهُمْ أَنْ يُلَطِّخُوهُ بِالدَّمِ وَيَعْرِضُوهُ عَلَى يَعْقُوبَ، فَقَالَ لَهُمْ رُدُّوا عَلَيَّ قَمِيصِي لِأَتَوَارَى بِهِ، فَقَالُوا: ادْعُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا لِتُؤْنِسَكَ، ثُمَّ دَلُّوهُ فِي الْبِئْرِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفَهَا أَلْقَوْهُ لِيَمُوتَ، وَكَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ فَسَقَطَ فِيهِ ثُمَّ آوَى إِلَى صَخْرَةٍ فَقَامَ بها وهو يبكى فنادوه فظن أنه رَحْمَةً أَدْرَكَتْهُمْ فَأَجَابَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضَخُوهُ بِصَخْرَةٍ فقام يهوذا فمنعهم وكان يهوذا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ،

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ قَالَ يَا شَاهِدًا غَيْرَ غَائِبٍ. وَيَا قَرِيبًا غَيْرَ بَعِيدٍ. وَيَا غَالِبًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ. اجْعَلْ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجًا وَمَخْرَجًا،

وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ جُرِّدَ عَنْ ثِيَابِهِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَمِيصٍ مِنْ حَرِيرِ الْجَنَّةِ وَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ، فَدَفَعَهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى إِسْحَاقَ، وَإِسْحَاقُ إِلَى يَعْقُوبَ، فَجَعَلَهُ يَعْقُوبُ فِي تَمِيمَةٍ وَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِ يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>