[سورة مريم عليها السلام]
وَهِيَ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ آيَةً مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[[سورة مريم (١٩) : آية ١]]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (١)
قَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْقِرَاءَاتِ لَا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ ثَلَاثَةٍ. الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: / أَنَّ حُرُوفَ الْمُعْجَمِ عَلَى نَوْعَيْنِ ثُنَائِيٍّ وَثُلَاثِيٍّ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَنْطِقُوا بِالثُّنَائِيَّاتِ مَقْطُوعَةً مُمَالَةً فَيَقُولُوا: بَا تَا ثَا وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهَا، وَأَنْ يَنْطِقُوا بِالثُّلَاثِيَّاتِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا الْأَلِفُ مَفْتُوحَةً مُشْبَعَةً فَيَقُولُوا دَالْ ذَالْ صَادْ ضَادْ وَكَذَلِكَ أَشْكَالُهَا، أَمَّا الزَّايُ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فَمُعْتَادٌ فِيهِ الْأَمْرَانِ، فَإِنَّ مَنْ أَظْهَرَ يَاءَهُ فِي النُّطْقِ حَتَّى يَصِيرَ ثُلَاثِيًّا لَمْ يُمِلْهُ، وَمَنْ لَمْ يُظْهِرْ يَاءَهُ فِي النُّطْقِ حَتَّى يُشْبِهَ الثُّنَائِيَّ يُمِلْهُ. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ إِشْبَاعَ الْفَتْحَةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ أَصْلٌ وَالْإِمَالَةُ فَرْعٌ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ إِشْبَاعُ كُلِّ مُمَالٍ وَلَا يَجُوزُ إِمَالَةُ كُلِّ مُشْبَعٍ مِنَ الْفَتَحَاتِ. الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِالْأَصْلِ وَهُوَ إِشْبَاعُ فَتْحَةِ الْهَاءِ وَالْيَاءِ. وَثَانِيهَا: أَنْ يُمِيلُوا الْهَاءَ وَالْيَاءَ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْهَاءِ وَالْيَاءِ فَيَفْتَحُوا أَحَدَهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَيَكْسِرُوا الْآخَرَ وَلَهُمْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَتْحَةَ الْمُشْبَعَةَ أَصْلٌ وَالْإِمَالَةَ فَرْعٌ مَشْهُورٌ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فَأُشْبِعُ أَحَدُهُمَا وَأُمِيلَ الْآخَرُ لِيَكُونَ جَامِعًا لِمُرَاعَاةِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحَدِهِمَا وَتَضْيِيعِ الْآخَرِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الثُّنَائِيَّةَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ إِذَا كَانَتْ مَقْطُوعَةً كَانَتْ بِالْإِمَالَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً كَانَتْ بِالْإِشْبَاعِ وَهَا وَيَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كهيعص مَقْطُوعَانِ فِي اللَّفْظِ مَوْصُولَانِ فِي الْخَطِّ فَأُمِيلَ أحدهما وأشبع الآخر ليكون كلا الجانبين مرعيا جَانِبَ الْقَطْعِ اللَّفْظِيِّ وَجَانِبَ الْوَصْلِ الْخَطِّيِّ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ فِيهِ قِرَاءَاتٌ: إِحْدَاهَا: وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِيهِ فَتْحَةُ الْهَاءِ وَالْيَاءِ جَمِيعًا. وَثَانِيهَا: كَسْرُ الْهَاءِ وَفَتْحُ الْيَاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ مُبَادِرٍ «١» وَالْقُطَعِيِّ عَنْ أَيُّوبَ، وَإِنَّمَا كَسَرُوا الْهَاءَ دُونَ الْيَاءِ لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهَاءِ الَّذِي لِلتَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْسَرُ قَطُّ. وَثَالِثُهَا: فَتْحُ الْهَاءِ وَكَسْرُ الْيَاءِ وَهُوَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْأَعْمَشِ وَطَلْحَةَ وَالضَّحَّاكِ عَنْ عَاصِمٍ، وَإِنَّمَا كَسَرُوا الْيَاءَ دُونَ الْهَاءِ، لِأَنَّ الْيَاءَ أُخْتُ الْكَسْرَةِ وَإِعْطَاءُ الْكَسْرَةِ أُخْتَهَا أَوْلَى مِنْ إِعْطَائِهَا إِلَى أَجْنَبِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ لِلْمُنَاسَبَةِ. وَرَابِعُهَا: إِمَالَتُهُمَا جَمِيعًا وَهِيَ قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ وَالْمُفَضَّلِ وَيَحْيَى عَنْ عَاصِمٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عامر والزهري وابن جرير وإنما أمالوهما
(١) هكذا في الأصول (ابن مبادر) ولم نره في القراءة ولعله محرف عن ابن مناذر وهو مما سمت به العرب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute