للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بقليل وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الأنعام: ١٠١] وَقَالَ هَاهُنَا خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا كَالتَّكْرَارِ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَاضِي.

أَمَّا قَوْلُهُ: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا، وَالثَّانِي: وَهُوَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هُنَاكَ قَوْلَهُ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ليجعله مقدمة في بيان نفي الأولاد، وهاهنا ذَكَرَ قَوْلَهُ: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لِيَجْعَلَهُ مُقَدِّمَةً فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إِلَّا هُوَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ مُقَدِّمَةٌ تُوجِبُ أَحْكَامًا كَثِيرَةً وَنَتَائِجَ مُخْتَلِفَةً، فَهُوَ تَعَالَى يَذْكُرُهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، لِيُفَرِّعَ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ النَّتِيجَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِلَهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا، فَقَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْبُدُوهُ فَإِنَّ هَذَا يُوهِمُ التَّكْرِيرَ.

وَالْجَوَابُ: قَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ، وَقَوْلُهُ: فَاعْبُدُوهُ أَيْ لَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: الْقَوْمُ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِوُجُودِ اللَّه تَعَالَى كَمَا قَالَ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَانَ: ٢٥] وَمَا أَطْلَقُوا لَفْظَ اللَّه عَلَى أَحَدٍ سِوَى اللَّه سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَرْيَمَ: ٦٥] فَقَالَ: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أَيِ الشَّيْءُ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا هُوَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: رَبُّكُمْ يَعْنِي الذي يربيكم وَيُحْسِنُ إِلَيْكُمْ بِأَصْنَافِ التَّرْبِيَةِ وَوُجُوهِ الْإِحْسَانِ، وَهِيَ أَقْسَامٌ بَلَغَتْ فِي الْكَثْرَةِ إِلَى حَيْثُ يَعْجِزُ الْعَقْلُ عَنْ ضَبْطِهَا، كَمَا قَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] .

ثُمَّ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ يَعْنِي أَنَّكُمْ لَمَّا عَرَفْتُمْ وُجُودَ الْإِلَهِ الْمُحْسِنِ الْمُتَفَضِّلِ الْمُتَكَرِّمِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ سِوَاهُ وَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ.

ثُمَّ قَالَ: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ يَعْنِي إِنَّمَا صَحَّ قَوْلُنَا: لَا إِلَهَ سِوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا خَالِقَ لِلْخَلْقِ سِوَاهُ، وَلَا مُدَبِّرَ لِلْعَالَمِ إِلَّا هو. فهذا الترتيب ترتيب مناسب مفيد.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٣]]

لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)

فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ وَالْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ من وجوه: الْأَوَّلُ: فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَطْلُوبِ أَنْ نَقُولَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَتَقْرِيرُهُ: أَنَّهُ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِقَوْلِهِ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَذَلِكَ مِمَّا يُسَاعِدُ الْخَصْمَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ بَنَوُا اسْتِدْلَالَهُمْ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى جَائِزَ الرُّؤْيَةِ لَمَا حَصَلَ التَّمَدُّحُ بِقَوْلِهِ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا تَصِحُّ رُؤْيَتُهُ. وَالْعُلُومُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالرَّوَائِحُ وَالطُّعُومُ لَا يَصِحُّ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا مَدْحٌ لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي كَوْنِهَا بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ رُؤْيَتُهَا، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ يُفِيدُ الْمَدْحَ، وَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>