الْمِنَّةِ أَوْ بِذِكْرِ وُجُوهِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [مُحَمَّدٍ: ٣٣] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُحْسِنَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَاذَا وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِ الْحُسْنِ وَأَنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَنْ يَنْفَعُ غَيْرَهُ بِنَفْعٍ حَسَنٍ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِحْسَانَ حَسَنٌ فِي نَفْسِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالضَّرْبُ وَالْقَتْلُ إِذَا حَسُنَا كَانَ فَاعِلُهُمَا مُحْسِنًا الثَّانِي: أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِحْسَانِ، فَفَاعِلُ الْحُسْنِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُحْسِنًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا وَإِحْسَانًا مَعًا، فَالِاشْتِقَاقُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَأَحْسِنُوا فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: قَالَ الْأَصَمُّ: أَحْسِنُوا فِي فَرَائِضِ اللَّهِ وَثَانِيهَا:
وَأَحْسِنُوا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُكُمْ مُؤْنَتُهُ وَنَفَقَتُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ وَسَطًا فَلَا تُسْرِفُوا وَلَا تُقَتِّرُوا، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِاتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهو ظاهر وقد تقدم تفسيره مرارا.
[[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٦]]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَصْدِ وَإِنَّمَا يُقَالُ: حَجَّ فُلَانٌ الشَّيْءَ إِذَا قَصَدَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَأَدَامَ الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ وَالْحِجَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ السَّنَةُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا حِجَّةٌ لِأَنَّ النَّاسَ يَحُجُّونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهَا أَرْكَانٌ وَمِنْهَا أَبْعَاضٌ وَمِنْهَا هَيْئَاتٌ، فَالْأَرْكَانُ مَا لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ وَالْأَبْعَاضُ هِيَ الْوَاجِبَاتُ الَّتِي إِذَا تُرِكَ شَيْءٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَالْهَيْئَاتُ مَا لَا يَجِبُ الدَّمُ عَلَى تَرْكِهَا، وَالْأَرْكَانُ عِنْدَنَا خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي حَلْقِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرِهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نُسُكٌ لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ إِلَّا بِهِ، وَأَمَّا الْأَبْعَاضُ فَهِيَ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَالْمُقَامُ بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ فِي قَوْلٍ وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فِي قَوْلٍ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْبَيْتُوتَةُ بِمِنَى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ فِي قَوْلٍ وَرَمِيُ أَيَّامِهَا.
وَأَمَّا سَائِرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ فَهِيَ سُنَّةٌ.
وَأَمَّا أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَفِي الْحَلْقِ قَوْلَانِ، ثم المعتمر بعد ما فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ذَبَحَهُ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا أَمْرٌ بِالْإِتْمَامِ، وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ مُطْلَقٌ أَوْ مَشْرُوطٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ، ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَالْمَعْنَى: افْعَلُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عَلَى نَعْتِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَشْرُوطٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِيهِ فَلْيُتِمَّهُ قَالُوا: وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ لَا يَكُونَ الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ وَاجِبًا إِلَّا أَنَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ يَكُونُ إِتْمَامُهُ وَاجِبًا، وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وغير واجبة عن أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حُجَّةُ أَصْحَابِنَا مِنْ وُجُوهٍ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِتْمَامَ قَدْ يُرَادُ بِهِ فِعْلُ الشَّيْءِ كَامِلًا تَامًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إِذَا شَرَعْتُمْ فِي الْفِعْلِ فَأَتِمُّوهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ وَجَبَ أَنْ يكون المراد