للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُقَدَّمًا عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الذَّنْبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا مَحَالَةَ، فَلَا جَرَمَ كَانَ تَكْلِيفُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَقُولُوا أَوَّلًا «حِطَّةٌ» ثُمَّ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ مُذْنِبًا فَالْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَشْتَغِلَ أَوَّلًا بِالْعِبَادَةِ ثُمَّ يَذْكُرَ التَّوْبَةَ، ثَانِيًا: عَلَى سَبِيلِ هَضْمِ النَّفْسِ وَإِزَالَةِ الْعُجْبِ فِي فِعْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا أَوَّلًا ثُمَّ يَقُولُوا حِطَّةٌ ثَانِيًا، فَلَمَّا احْتَمَلَ كَوْنُ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ مُنْقَسِمِينَ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي سُورَةٍ أُخْرَى.

السُّؤَالُ السَّابِعُ: لِمَ قَالَ: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فِي الْبَقَرَةِ مَعَ الْوَاوِ وَفِي الْأَعْرَافِ: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ مِنْ غَيْرِ الْوَاوِ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا فِي الْأَعْرَافِ فَذَكَرَ فِيهِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ الْحِطَّةِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْبَةِ، وَثَانِيهَا:

دُخُولُ الْبَابِ سُجَّدًا وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِبَادَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ جُزْأَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْحِطَّةِ. وَالْآخَرُ: قَوْلُهُ: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا فَتَرْكُ الْوَاوِ يُفِيدُ تَوَزُّعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُزْأَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرْطَيْنِ. وَأَمَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَيُفِيدُ كَوْنَ مَجْمُوعِ الْمَغْفِرَةِ وَالزِّيَادَةِ جَزَاءً وَاحِدًا لِمَجْمُوعِ الْفِعْلَيْنِ أَعْنِي دُخُولَ الْبَابِ وَقَوْلَ الْحِطَّةِ.

السُّؤَالُ الثَّامِنُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا وَفِي الْأَعْرَافِ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي زِيَادَةِ كَلِمَةِ «مِنْهُمْ» فِي الْأَعْرَافِ؟ الْجَوَابُ: سَبَبُ زِيَادَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّ أَوَّلَ الْقِصَّةِ هَاهُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِلَفْظِ «مِنْ» لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٥٩] فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ عَدَّدَ صُنُوفَ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ وَأَوَامِرِهِ لَهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَتِ الْقِصَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَذَكَرَ لَفْظَةَ: مِنْهُمْ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ كَمَا ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ لِيَكُونَ آخِرُ الْكَلَامِ مُطَابِقًا لِأَوَّلِهِ فَيَكُونُ الظَّالِمُونَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى بِإِزَاءِ الْهَادِينَ مِنْهُمْ فَهُنَاكَ ذَكَرَ أُمَّةً عَادِلَةً، وَهَاهُنَا ذَكَرَ أُمَّةً جَابِرَةً وَكِلْتَاهُمَا مِنْ قَوْمِ/ مُوسَى فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَأَمَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ قَوْلِهِ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا تَمْيِيزًا وَتَخْصِيصًا حَتَّى يَلْزَمَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ ذِكْرُ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.

السُّؤَالُ التَّاسِعُ: لِمَ قَالَ فِي الْبَقَرَةِ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً وقال في الأعراف: فَأَرْسَلْنا الْجَوَابُ: الْإِنْزَالُ يُفِيدُ حُدُوثَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَالْإِرْسَالُ يُفِيدُ تَسَلُّطَهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتِئْصَالَهُ لَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْدُثُ بِالْآخِرَةِ.

السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: لِمَ قَالَ فِي الْبَقَرَةِ: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَفِي الأعراف: بِما كانُوا يَظْلِمُونَ، الْجَوَابُ:

أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَوْنَ ذَلِكَ الظُّلْمِ فِسْقًا اكْتَفَى بِلَفْظِ الظُّلْمِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٦٠]]

وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)

قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ بِسُكُونِ الشِّينِ عَلَى التَّخْفِيفِ وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْإِنْعَامُ التَّاسِعُ مِنَ الْإِنْعَامَاتِ الْمَعْدُودَةِ