للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ، وَالْحُلِيُّ الَّذِي هُوَ الْمَعْهُودُ السَّابِقُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي هذه الآية وهو قوله: وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها فَصَارَ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ لا زكاة في اللئالئ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَنْفَعَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: مَخْرُ السَّفِينَةِ شَقُّهَا الْمَاءَ بِصَدْرِهَا، وَعَنِ الْفَرَّاءِ: أَنَّهُ صَوْتُ جَرْيِ الْفُلْكِ بِالرِّيَاحِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَواخِرَ أَيْ جِوَارِيَ، إِنَّمَا حَسُنَ التَّفْسِيرُ بِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَشُقُّ الْمَاءَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ جَارِيَةً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يَعْنِي لِتَرْكَبُوهُ لِلتِّجَارَةِ فَتَطْلُبُوا الرِّبْحَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِذَا وَجَدْتُمْ فَضْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ فَلَعَلَّكُمْ تُقْدِمُونَ عَلَى شُكْرِهِ. وَاللَّهُ أعلم.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)

اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرُ بَعْضِ النِّعَمِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ.

فَالنِّعْمَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يَعْنِي لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَكَرَاهَةَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ، وَذَكَرْنَا هَذَا عِنْدَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاءِ: ١٧٦] وَالْمَيْدُ الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُقَالُ: مَادَ يَمِيدُ مَيْدًا.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ قَالُوا: إِنَّ السَّفِينَةَ إِذَا أُلْقِيَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، فَإِنَّهَا تَمِيدُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَتَضْطَرِبُ، فَإِذَا وُضِعَتِ الْأَجْرَامُ الثَّقِيلَةُ فِي تِلْكَ السَّفِينَةِ اسْتَقَرَّتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَاسْتَوَتْ. قَالُوا فَكَذَلِكَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ اضْطَرَبَتْ وَمَادَتْ، فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا هَذِهِ الْجِبَالَ الثِّقَالَ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ بِسَبَبِ ثِقَلِ هَذِهِ الْجِبَالِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا يُشْكِلُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ مَعَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ ثَقِيلَةً بِالطَّبْعِ أَوْ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ وَمَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ حَرَكَاتِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ بِطِبَاعِهَا أَوْ لَيْسَتْ بِطِبَاعِهَا بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ بِتَخْلِيقِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَرْضَ أَثْقَلُ مِنَ الْمَاءِ، وَالْأَثْقَلُ مِنَ الْمَاءِ يَغُوصُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَبْقَى طَافِيًا عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ طَافِيًا عَلَيْهِ امْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَمِيدُ وَتَمِيلُ وَتَضْطَرِبُ، وَهَذَا بِخِلَافِ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا مُتَّخَذَةٌ مِنَ الْخَشَبِ وَفِي دَاخِلِ الْخَشَبِ تَجْوِيفَاتٌ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْهَوَاءِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ تَبْقَى الْخَشَبَةُ طَافِيَةً عَلَى الْمَاءِ فَحِينَئِذٍ تَضْطَرِبُ وَتَمِيدُ وَتَمِيلُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَإِذَا أُرْسِيَتْ بِالْأَجْسَامِ الثَّقِيلَةِ اسْتَقَرَّتْ وَسَكَنَتْ فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِلْمَاءِ طَبَائِعُ تُوجِبُ الثِّقَلَ وَالرُّسُوبَ وَالْأَرْضُ إِنَّمَا تَنْزِلُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِجَعْلِهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا صَارَ الْمَاءُ مُحِيطًا بالأرض لمجرد إجراء العادة، وليس هاهنا طَبِيعَةٌ لِلْأَرْضِ وَلَا لِلْمَاءِ تُوجِبُ حَالَةً مَخْصُوصَةً فَنَقُولُ:

فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عِلَّةُ سُكُونِ الْأَرْضِ هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهَا السُّكُونَ وَعِلَّةُ كَوْنِهَا مَائِدَةً مُضْطَرِبَةً هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهَا الْحَرَكَةَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَائِلَةً فَخَلَقَ اللَّهُ الْجِبَالَ وَأَرْسَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>