للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا مَاءٌ فَاضْطُرُّوا إِلَى أَنْ خَرَجُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ وَجَدُوا لَهَا بَرَدًا وَنَسِيمًا فَاجْتَمَعُوا تَحْتَهَا فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا فَاحْتَرَقُوا،

وَرُوِيَ أَنَّ شُعَيْبًا بُعِثَ إِلَى أُمَّتَيْنِ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ فَأُهْلِكَتْ مَدْيَنُ بِصَيْحَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السلام وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة،

وهاهنا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْقَصَصِ السَّبْعِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ تَسْلِيَةً لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَالَهُ من الغم الشديد، بقي هاهنا سُؤَالَانِ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعَذَابَ النَّازِلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرِهِمْ مَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ قِرَانَاتِ الْكَوَاكِبِ وَاتِّصَالَاتِهَا عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ النُّجُومِ؟ وَإِذَا قَامَ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَمْ يَحْصُلِ الِاعْتِبَارُ بِهَذِهِ الْقَصَصِ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إِنَّمَا يَحْصُلُ أَنْ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ نُزُولَ هَذَا الْعَذَابِ كَانَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ يُنْزِلُ الْعَذَابَ مِحْنَةً لِلْمُكَلَّفِينَ وَابْتِلَاءً لَهُمْ عَلَى مَا قَالَ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [مُحَمَّدٍ: ٣١] وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَدِ ابْتَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَلَاءِ الْعَظِيمِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ نُزُولُ الْبَلَاءِ بِهِمْ عَلَى كَوْنِهِمْ مُبْطِلِينَ وَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذِهِ الْقَصَصَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيَةً وَإِزَالَةً لِلْحُزْنِ عَنْ قَلْبِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ الْعَذَابَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ، عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يحصل به التسلية وَالْفَرَحُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْقَدْحِ فِي عِلْمِ الْأَحْكَامِ/ بِأَنْ قَالَ الْمُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، إِمَّا الْكَوَاكِبُ أَوِ الْبُرُوجُ أَوْ كَوْنُ الْكَوْكَبِ فِي الْبُرْجِ الْمُعَيَّنِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَحَصَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ أَيْنَ حَصَلَ الْكَوْكَبُ وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَزِمَ دَوَامُ الْأَثَرِ بِدَوَامِ الْبُرْجِ وَالثَّالِثُ أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْفَلَكَ عَلَى قَوْلِهِمْ بَسِيطٌ لَا مُرَكَّبٌ فَيَكُونُ طَبْعُ كُلِّ بُرْجٍ مُسَاوِيًا لِطَبْعِ الْبُرْجِ الْآخَرِ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ، فَيَكُونُ حَالُ الْكَوْكَبِ وَهُوَ فِي بُرْجِهِ كَحَالِهِ وَهُوَ فِي بُرْجٍ آخَرَ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَدُومَ ذَلِكَ الْأَثَرُ بِدَوَامِ الْكَوْكَبِ، وَلِلْقَوْمِ أَنْ يَقُولُوا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صُدُورُ الْأَثَرِ عَنِ الْكَوْكَبِ الْمُعَيَّنِ مَوْقُوفًا عَلَى كَوْنِهِ مُسَامِتًا مُسَامَتَةً مَخْصُوصَةً لِكَوْكَبٍ آخَرَ، فَإِذَا فُقِدَتْ تِلْكَ الْمُسَامَتَةُ فُقِدَ شَرْطُ التَّأْثِيرِ فَلَا يَحْصُلُ التَّأْثِيرُ؟ وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الدَّلَالَةُ، إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَثِّرَةً بِحَسَبِ ذَوَاتِهَا وَطَبَائِعِهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَثِّرَةً بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ، فَإِذَا أَجْرَى اللَّه تَعَالَى عَادَتَهُ بِحُصُولِ تَأْثِيرَاتٍ مَخْصُوصَةٍ عَقِيبَ اتِّصَالَاتِ الْكَوَاكِبِ وَقِرَانَاتِهَا وَأَدْوَارِهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ حُصُولِ هَذِهِ الْآثَارِ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِأَجْلِ زَجْرِ الْكُفَّارِ بَلْ لَعَلَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا تَكْرِيرًا لِتِلْكَ الْعَادَاتِ واللَّه أعلم.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٢ الى ١٩٦]

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)

الْقَوْلُ فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ أَحْوَالِ محمد عليه الصلاة والسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>