للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُزِ الْقَوْلُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ وَالسُّخْرِيَةِ: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَجَوَابُ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الدلالة قد ذكرناه مرارا. والله اعلم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَمْرَ الْأَمْرِ بِالْفَحْشَاءِ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ قِسْطًا لِوُجُوهٍ عَائِدَةٍ إِلَيْهِ فِي ذَاتِهِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ بِهِ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ إِنَّمَا يَحْسُنُ لِوُجُوهٍ عَائِدَةٍ إِلَيْهِ وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ بِالْقِسْطِ بِالْعَدْلِ وَبِمَا ظَهَرَ فِي الْمَعْقُولِ كَوْنُهُ حَسَنًا صَوَابًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨] وَذَلِكَ الْقِسْطُ لَيْسَ إِلَّا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْقِسْطَ لَيْسَ إِلَّا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقِسْطِ وَهُوَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ ثُمَّ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَثَانِيهَا:

أَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ أَمْرٌ وَعَطْفُ الْأَمْرِ عَلَى الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ. وَجَوَابُهُ التَّقْدِيرُ: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ. وَقُلْ: أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَقِيمُوا هُوَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ. وَالثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْإِخْلَاصُ وَالسَّبَبُ فِي ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ إِقَامَةَ الْوَجْهِ فِي الْعِبَادَةِ قَدْ/ تَكُونُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ تَكُونُ بِالْإِخْلَاصِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ مَذْكُورٌ مِنْ بَعْدُ وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الْإِخْلَاصِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَخْلِصُوا عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ.

فَإِنْ قِيلَ: يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ إِذَا عَلَّقْتَ الْإِخْلَاصَ بِالدُّعَاءِ فَقَطْ.

قُلْنَا: لَمَّا أَمْكَنَ رُجُوعُهُ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ قَصْرُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا خُصُوصًا مَعَ قَوْلِهِ: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُسَمَّى دِينًا.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ زَمَانُ الصَّلَاةِ أَوْ مَكَانُهُ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ إِقَامَةُ الْوَجْهِ لِلْقِبْلَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لَنَا أَنْ لَا نَعْتَبِرَ الْأَمَاكِنَ بل نعتبر

<<  <  ج: ص:  >  >>