مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى
[طه: ٥٧] وَكَأَنَّ السَّحَرَةَ تَلَقَّفُوا هَذِهِ الشُّبْهَةَ مِنْ فِرْعَوْنَ ثُمَّ أَعَادُوهَا. وَثَالِثُهَا:
قَوْلُهُ: وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى وَهَذَا أَيْضًا لَهُ تَأْثِيرٌ شَدِيدٌ فِي الْقَلْبِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ إِذَا جَاءَ وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ الْمَنَاصِبِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَرْغَبُ فِيهَا فَذَلِكَ يَكُونُ فِي نِهَايَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ فَهُمْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْوُجُوهَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْ مُوسَى والترغيب في دفعه وإبطال أمره وهاهنا بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: الطَّرِيقَةُ الرِّجَالُ الْأَشْرَافُ الَّذِينَ هُمْ قُدْوَةٌ لِغَيْرِهِمْ يُقَالُ هُمْ طَرِيقَةُ قَوْمِهِمْ، وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ أَيْضًا: هُوَ طَرِيقَةُ قَوْمِهِ، وَجَعَلَ الزَّجَّاجُ الْآيَةَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ وَيَذْهَبَا بِأَهْلِ طَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّضُونَ الْقَوْمَ بِأَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يُرِيدَانِ أَنْ يَذْهَبَا بأشراف قومكم وأكابركم وهم بنوا إسرائيل لقول مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ [الشُّعَرَاءِ: ١٧] وَإِنَّمَا سُمُّوا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ عَدَدًا وَأَمْوَالًا وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ فَسَّرَ الطَّرِيقَةَ المثلى بالدين سموا دينهم بالطريقة المثلى: وكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الرُّومِ: ٣٢] وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْجَاهِ وَالْمَنْصِبِ وَالرِّيَاسَةِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: الْمُثْلى مُؤَنَّثَةٌ لِتَأْنِيثِ الطَّرِيقَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لِمَ سُمِّيَ الْأَفْضَلُ بِالْأَمْثَلِ/ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْأَمْثَلُ: الْأَشْبَهُ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الْأَمْثَلُ الْأَوْضَحُ وَالْأَظْهَرُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ مُبَالَغَتَهُمْ فِي التَّنْفِيرِ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّرْغِيبِ فِي إِبْطَالِ أَمْرِهِ حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مِنِ اجْمَعُوا يَعْنِي لَا تَدَعُوا شَيْئًا مِنْ كَيْدِهِمْ إِلَّا جِئْتُمْ بِهِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ:
فَجَمَعَ كَيْدَهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِجْمَاعُ الْإِحْكَامُ وَالْعَزِيمَةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: أَجْمَعْتُ عَلَى الْخُرُوجِ مِثْلَ أَزْمَعْتُ. وَالثَّانِي: بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ [يُونُسَ: ٧١] قَالَ الزَّجَّاجُ: لِيَكُنْ عَزْمُكُمْ كُلُّكُمْ كَالْيَدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا تَخْتَلِفُوا ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا، ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّفَّ مَوْضِعُ الْجَمْعِ وَالْمَعْنَى ائْتُوا الْمَوْضِعَ الَّذِي تَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِعِيدِكُمْ وَصَلَاتِكُمْ، وَالْمَعْنَى: ائْتُوا مُصَلًّى مِنَ الْمُصَلَّيَاتِ أَوْ كَانَ الصَّفُّ عَلَمًا لِلْمُصَلَّى بِعَيْنِهِ فَأُمِرُوا بِأَنْ يَأْتُوهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ مَصْدَرًا وَالْمَعْنَى ثُمَّ ائْتُوا مُصْطَفِّينَ مُجْتَمِعِينَ لِكَيْ يَكُونَ أَنْظَمَ لِأَمْرِكُمْ وَأَشَدَّ لِهَيْبَتِكُمْ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى اعْتِرَاضٌ، يَعْنِي: وَقَدْ فَازَ مَنْ غَلَبَ فَكَانُوا يُقِرُّونَ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَارِ ما يظهرونه من السحر.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]
قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)
[في قوله تعالى قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى] اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَوْعِدِ وَهُوَ يَوْمُ الزِّينَةِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا قَوْلُهُ: ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طَه: ٦٤] صَارَ ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنْ قَوْلِهِ فَحَضَرُوا هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute