للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْإِسْرَاءِ: ١٣] وَقَالَ أَيْضًا فِي آيَةٍ أُخْرَى مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الْكَهْفِ: ٤٩] وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: ٤١] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [الْمَائِدَةِ: ١٠٩] وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ وَالشُّهَداءِ وَالْمُرَادُ ما قوله فِي وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] أَوْ أَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْحَفَظَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: ٢١] وَقِيلَ أَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُسْتَشْهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْضُرُ فِي مَحْفِلِ الْقِيَامَةِ جَمِيعُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي فَصْلِ الْحُكُومَاتِ وَقَطْعِ الْخُصُومَاتِ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يُوصِلُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ حَقَّهُ، وَعَبَّرَ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَرْبَعِ عِبَارَاتٍ أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ أَيْ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ جَزَاءَ مَا عَمِلَتْ، وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِكَيْفِيَّاتِ أَحْوَالِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يَقْضِي بِالْحَقِّ لِأَجْلِ عَدَمِ الْعِلْمِ، أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَقَادِيرَ أَفْعَالِهِمْ وَبِكَيْفِيَّاتِهَا امْتَنَعَ دُخُولُ الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَقْصُودِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ يصل إلى حقه.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧١ الى ٧٢]

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ أَهْلِ الْقِيَامَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ [الزمر: ٧٠] بَيَّنَ بَعْدَهُ كَيْفِيَّةَ أَحْوَالِ أَهْلِ الْعِقَابِ، ثُمَّ كَيْفِيَّةَ أَحْوَالِ أَهْلِ الثَّوَابِ وَخَتَمَ السُّورَةَ.

أَمَّا شَرْحُ أَحْوَالِ أَهْلِ الْعِقَابِ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً قَالَ ابْنُ زَيْدَانٍ: سَوْقُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يَكُونُ بِالْعُنْفِ وَالدَّفْعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطُّورِ: ١٣] أَيْ يُدْفَعُونَ دَفْعًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الْمَاعُونِ: ٢] أَيْ يَدْفَعُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مَرْيَمَ: ٨٦] .

وَأَمَّا الزُّمَرُ، فَهِيَ الْأَفْوَاجُ الْمُتَفَرِّقَةُ بَعْضٌ، فِي إِثْرِ بَعْضٍ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يُسَاقُونَ إِلَى جَهَنَّمَ فَإِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ إِنَّمَا تُفْتَحُ عِنْدَ وُصُولِ أُولَئِكَ إِلَيْهَا، فَإِذَا دَخَلُوا جَهَنَّمَ قَالَ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ أُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَيْهِمْ؟ قُلْنَا أَرَادَ لِقَاءَ وَقْتِكُمْ هَذَا وَهُوَ وَقْتُ دُخُولِهِمُ النَّارَ، لَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ مُسْتَفِيضٌ، فَعِنْدَ هَذَا تَقُولُ الْكُفَّارُ: بَلَى قَدْ أَتَوْنَا وَتَلَوْا عَلَيْنَا وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ حَقَّتْ عَلَيْنَا كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَمَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فكيف يمكنه

<<  <  ج: ص:  >  >>