الْقُرْآنِ، وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُدَّةِ، فَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ لَمَّا كَانَتْ مُخَالِفَةً لَهَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِفَسَادِهَا.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٨]]
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)
[الحكم الحادي عشر في الطلاق]
قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً لِلطَّلَاقِ:
فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِلطَّلَاقِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُطَّلَقَةَ هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أُوقِعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ مَنْكُوحَةً، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَإِذَا أُوقِعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ، لَكِنَّهَا غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ بِحَسَبِ عُرْفِ الشَّرْعِ، وَالْعِدَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا تَكُونَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا لَمْ تَجِبِ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [الْأَحْزَابِ: ٤٩] وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لَا بِالْأَقْرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: ٤] وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ/ الْحَيْضُ مُمْكِنًا فِي حَقِّهَا أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنِ امْتَنَعَ الْحَيْضُ فِي حَقِّهَا إِمَّا لِلصِّغَرِ الْمُفْرِطِ، أَوْ لِلْكِبَرِ الْمُفْرِطِ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْأَقْرَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ [الطَّلَاقِ: ٤] وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْحَيْضُ فِي حَقِّهَا مُمْكِنًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً، فَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً كَانَتْ عِدَّتُهَا بِقُرْأَيْنِ لَا بِثَلَاثَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً، وَكَانَتْ مُطَلَّقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَانَتْ حَائِلًا، وَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَكَانَتْ حُرَّةً، فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الْعَامُّ إِنَّمَا يَحْسُنُ تَخْصِيصُهُ إِذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَكْثَرَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْغَالِبِ، يُقَالُ فِي الثَّوْبِ: إِنَّهُ أَسْوَدُ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ السَّوَادُ، أَوْ حَصَلَ فِيهِ بَيَاضٌ قَلِيلٌ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْبَيَاضُ، وَكَانَ السَّوَادُ قَلِيلًا، كَانَ انْطِلَاقُ لَفْظِ الْأَسْوَدِ عَلَيْهِ كَذِبًا، فَثَبَتَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِ الْعَامِّ مَخْصُوصًا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَكْثَرَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّكُمْ أَخْرَجْتُمْ مِنْ عُمُومِهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَتَرَكْتُمْ قِسْمًا وَاحِدًا، فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْعَامِّ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَجْنَبِيَّةُ فَخَارِجَةٌ عَنِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَا يُقَالُ فِيهَا: إِنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute