للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثَالِ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَصَارَ الزَّمَانُ تَارَةً مَوْجُودًا مَعَ عَرَضٍ وَأُخْرَى مَوْجُودًا بَعْدَ عَرَضٍ، لِأَنَّ يَوْمَنَا هَذَا وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا صَارَتْ مُتَمَيِّزَةً بِالْمُتَجَدِّدِ الْأَوَّلِ، وَالْمُتَجَدِّدُ الْأَوَّلُ لَهُ زَمَانٌ هُوَ مَعَهُ، إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ أَمْرُهُمَا مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ وَالْأَمْرُ الْخَفِيُّ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ غُلَامٌ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِذَا وَصَفْتَهُ أَوْ أَضَفْتَهُ وَقُلْتَ غُلَامٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، وَأَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ قَرُبَ مِنَ الْفَهْمِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ غُلَامُ زَيْدٍ قَرُبَ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَةِ الزَّمَانِ، وَلَا يُعْرَفُ الشَّيْءُ إِلَّا بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ فِي الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ مَوْجُودٌ بَعَّدْتَهُ عَنِ الْفَهْمِ، وَإِذَا قُلْتَ حَيَوَانٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ قَرَّبْتَهُ مِنْهُ، فَفِي الزَّمَانِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ وَالْحَالَ يَخْتَصُّ بِأَزْمِنَةٍ، وَالْمَصْدَرُ لَهُ زَمَانٌ مُطْلَقٌ، فَلَوْ قُلْتَ زَمَانُ الْخُرُوجِ تَمَيَّزَ عَنْ زَمَانِ الدُّخُولِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قُلْتَ يَوْمَ خَرَجَ أَفَادَ مَا أَفَادَ قَوْلُكَ يَوْمَ الْخُرُوجِ مَعَ زِيَادَةٍ هُوَ أَنَّهُ تَمَيَّزَ عَنْ يَوْمَ يَخْرُجُ وَالْإِضَافَةُ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ تَمْيِيزًا أَوْلَى، كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ غُلَامُ رَجُلٍ مَيَّزْتَهُ عَنْ غُلَامِ امْرَأَةٍ، وَإِذَا قُلْتَ غُلَامُ زَيْدٍ زِدْتَ عَلَيْهِ فِي الْإِفَادَةِ وَكَانَ أَحْسَنَ، كَذَلِكَ قَوْلُنَا يَوْمَ خَرَجَ لِتَعْرِيفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِكَ يَوْمَ الْخُرُوجِ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ الزَّمَانَ يُضَافُ إِلَى الْفِعْلِ وَغَيْرُهُ لَا يُضَافُ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ دُونَ غَيْرِهِ إِلَّا الْمَكَانَ فِي قَوْلِهِ اجْلِسْ حَيْثُ يَجْلِسُ، فَإِنَّ حَيْثُ يُضَافُ إِلَى الْجُمَلِ لِمُشَابَهَةِ ظَرْفِ الْمَكَانِ لِظَرْفِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْجُمَلُ فَهِيَ إِنَّمَا يَصِحُّ بِوَاسِطَةِ تَضَمُّنِهَا الْفِعْلَ، فَلَا يُقَالُ يَوْمَ زَيْدٌ أَخُوكَ

، وَيُقَالُ يَوْمَ زَيْدٌ فِيهِ خَارِجٌ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْفَوَائِدِ اللَّفْظِيَّةِ أَنَّ لَاتَ يَخْتَصُّ اسْتِعْمَالُهَا بِالزَّمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [ص: ٣] وَلَا يُقَالُ لَاتَ الرَّجُلُ سُوءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّمَانَ تَجَدُّدٌ بَعْدَ تَجَدُّدٍ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْفَنَاءِ حَيَاةٌ أُخْرَى وَبَعْدَ كُلِّ حَرَكَةٍ حَرَكَةٌ أُخْرَى وَبَعْدَ كُلِّ زَمَانٍ زَمَانٌ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرَّحْمَنِ: ٢٩] أَيْ قَبْلَ الْخَلْقِ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا، لَكِنَّهُ يعد ما خَلَقَ فَهُوَ أَبَدًا دَائِمًا يَخْلُقُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَبَعْدَ حَيَاتِنَا مَوْتٌ وَبَعْدَ مَوْتِنَا حَيَاةٌ وَبَعْدَ حَيَاتِنَا حِسَابٌ وَبَعْدَ الْحِسَابِ ثَوَابٌ دَائِمٌ أَوْ عِقَابٌ لَازِمٌ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ الْفِعْلَ فَلَمَّا بَعُدَ الزَّمَانُ عَنِ النَّفْيِ زِيدَ فِي الْحُرُوفِ النَّافِيَةِ زِيَادَةً، فَإِنْ قِيلَ فَاللَّهُ تَعَالَى أَبْعَدُ عَنِ الِانْتِفَاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تقرب التاء بكلمة لا هناك، نقول لاتَ حِينَ مَناصٍ تَأْوِيلٌ وَعَلَيْهِ لَا يَرِدُ مَا ذَكَرْتُمْ وَهُوَ أَنَّ لَا هِيَ الْمُشَبَّهَةُ بِلَيْسَ تَقْدِيرُهُ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ مَنَاصٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِذَلِكَ اخْتَصَّ بِالْحِينِ دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْحِينَ أَدْوَمُ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ قَدْ لَا يكون والحين يكون. ثم قال تعالى:

[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١١ الى ١٢]

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)

أَيْ إِذَا عُلِمَ أَنَّ عَذَابَ اللَّهِ وَاقِعٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ فَوَيْلٌ إِذًا لِلْمُكَذِّبِينَ، فَالْفَاءُ لِاتِّصَالِ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِيذَانُ بِأَمَانِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ [الطور: ٧] لَمْ يُبَيِّنْ بِأَنَّ مَوْقِعَهُ بِمَنْ، فَلَمَّا قَالَ: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عُلِمَ الْمَخْصُوصُ بِهِ وَهُوَ الْمُكَذِّبُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِذَا قُلْتَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بَيَانٌ لِمَنْ يَقَعُ بِهِ الْعَذَابُ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ فَمَنْ لَا يُكَذِّبُ لَا يُعَذَّبُ، فَأَهْلُ الْكَبَائِرِ لَا يُعَذَّبُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَ، نَقُولُ ذَلِكَ الْعَذَابُ لَا يَقَعُ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا

<<  <  ج: ص:  >  >>