للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجِهَةٍ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِمَكَانٍ وَجِهَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ مُحَالًا فِي حَقِّهِ امْتَنَعَ وَصْفُهُ بِالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨ الى ٩]

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ السُّؤَالَ وَالْحِسَابَ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا وَزْنَ الْأَعْمَالِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْوَزْنُ مبتدا ويَوْمَئِذٍ ظرف له والْحَقُّ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ الْخَبَرَ والْحَقُّ صِفَةً لِلْوَزْنِ أَيْ وَالْوَزْنُ الْحَقُّ أَيِ الْعَدْلُ يَوْمَ يَسْأَلُ اللَّهُ الْأُمَمَ وَالرُّسُلَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ تَعَالَى يَنْصِبُ مِيزَانًا لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُؤْتَى بِعَمَلِهِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتَثْقُلُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ النَّاجُونَ قَالَ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: وَنَضَعُ/ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَزْنِ الْأَعْمَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهُمَا: إِنَّ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِ تَتَصَوَّرُ بِصُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالَ الْكَافِرِ بِصُورَةٍ قَبِيحَةٍ فَتُوزَنُ تِلْكَ الصُّورَةُ: كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي: إِنَّ الْوَزْنَ يَعُودُ إِلَى الصُّحُفِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ مَكْتُوبَةً

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَمَّا يُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: «الصُّحُفُ»

وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ مِيزَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُنْصَبُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْعَرْشُ إِحْدَى كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ عَلَى الْجَنَّةِ وَالْأُخْرَى عَلَى جَهَنَّمَ وَلَوْ وُضِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي إِحْدَاهُمَا لَوَسِعَتْهُنَّ وَجِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَمُودِهِ يَنْظُرُ إِلَى لِسَانِهِ

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْمِيزَانِ وَيُؤْتَى لَهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ فِيهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوبُهُ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ ثُمَّ يُخْرَجُ لَهُ قِرْطَاسٌ كَالْأُنْمُلَةِ فِيهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يُوضَعُ فِي الْأُخْرَى فَتَرْجُحُ»

وَعَنِ الْحَسَنِ: بَيْنَمَا الرَّسُولُ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَاضِعٌ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عائشة رضى الله عنها قَدْ أَغْفَى فَسَالَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِهَا فَقَالَ: «مَا أَصَابَكِ مَا أَبْكَاكِ؟» فَقَالَتْ: ذَكَرْتُ حَشْرَ النَّاسِ وَهَلْ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا فَقَالَ لَهَا: «يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عَبَسَ: ٣٧] لَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا عِنْدَ الصُّحُفِ وَعِنْدَ وَزْنِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ،

وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْعَظِيمِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَزْنُ بَعُوضَةٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمِيزَانِ الْعَدْلُ وَالْقَضَاءُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَهَبُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالُوا حَمْلُ لَفْظِ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ فَلِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَبْعُدْ جَعْلُ الْوَزْنِ كِنَايَةً عَنِ الْعَدْلِ وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَلَا قِيمَةٌ عِنْدَ غَيْرِهِ يُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا لَا يُقِيمُ لِفُلَانٍ وَزْنًا قَالَ تَعَالَى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً

<<  <  ج: ص:  >  >>