للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ التَّوْبَةِ؟ قُلْنَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ تَابَ عَنْهُ لَزِمَهُ كُلَّمَا ذَكَرَهُ أَنْ يُجَدِّدَ عَنْهُ التَّوْبَةَ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى نَدَمِهِ إِلَى أَنْ يلقى ربه.

المسألة الثانية: قرئ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً لِوُقُوعِهَا قَبْلَ الْأَلِفِ، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ الساكنين اتَّبَعَتْ حَرَكَتُهَا حَرَكَةَ مَا قَبْلَهَا واللَّه أَعْلَمُ.

المسألة الثَّالِثَةُ: تَفْسِيرُ لَعَلَّ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ٢١] واللَّه أعلم.

[[سورة النور (٢٤) : آية ٣٢]]

وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)

الْحُكْمُ الثَّامِنُ مَا يَتَعَلَّقُ بالنكاح

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ مِنْ قَبْلُ بِغَضِّ الْأَبْصَارِ وَحِفْظِ الْفُرُوجِ بَيَّنَ مِنْ بَعْدُ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَحِلُّ، فَبَيَّنَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ طَرِيقَ الْحِلِّ فَقَالَ: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْأَيَامَى وَالْيَتَامَى أَصْلُهُمَا أَيَايِمُ وَيَتَايِمُ فَقُلِبَا، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَيِّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كُلُّ ذَكَرٍ لَا أُنْثَى مَعَهُ وَكُلُّ أُنْثَى لَا ذَكَرَ مَعَهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رواية الضحاك، تقول: زوجوا أياماكم بَعْضَكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي ... وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُمُوا أَتَأَيَّمُ

المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى [النُّورِ: ٣٢] أَمْرٌ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُ مَوْلَاتِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ، إِمَّا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنَ الْمُوَلِّيَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُوَلِّيَةَ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَفَوَّتَتْ عَلَى الْوَلِيِّ التَّمَكُّنَ مِنْ أَدَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِمَّا لِتَطَابُقِ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْحَدِيثِ وَهُوَ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنِ اقْتَضَتْ بِظَاهِرِهَا الْإِيجَابَ إِلَّا أَنَّهُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْإِيجَابُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَوَرَدَ النَّقْلُ بِفِعْلِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ السَّلَفِ مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَجَدْنَا عَصْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرَ الْأَعْصَارِ بَعْدَهُ قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ أَيَامَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَلَمْ يُنْكِرُوا عَدَمَ تَزْوِيجِهِنَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابُ وَثَانِيهَا: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ الثَّيِّبَ لَوْ أَبَتِ التَّزَوُّجَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا: اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَزْوِيجِ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَيَامَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْجَمِيعِ بَلْ نَدْبٌ فِي الْجَمِيعِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ اسْمَ الْأَيَامَى يَنْتَظِمُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ فِي الرِّجَالِ مَا أُرِيدَ بِهِ الْأَوْلِيَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ كَذَلِكَ فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْتُهُ تَخْصِيصَاتٌ تَطَرَّقَتْ إِلَى الْآيَةِ وَالْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى حُجَّةً، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى حُجَّةً فِيمَا إِذَا الْتَمَسَتِ الْمَرْأَةُ الْأَيِّمُ مِنَ الْوَلِيِّ التَّزْوِيجَ وَجَبَ، وَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ وَجْهُ الْكَلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>