بِالْغَوْصِ فِي الْمِيَاهِ وَالنَّارُ تَنْطَفِئُ بِالْمَاءِ وَهُمْ مَا كَانَ يَضُرُّهُمْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قدرته على إظهار الضد من الضد.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
الْقِصَّةُ السَّادِسَةُ، قصة أيوب عليه السلام
اعْلَمْ أَنَّ فِي أَمْرِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ شَأْنِهِ هَاهُنَا وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْقُرْآنِ مِنَ الْعِبَرِ وَالدَّلَائِلِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مَعَ عَظِيمِ فَضْلِهِ أَنْزَلَ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ الْعَظِيمِ ما أنزله مما كان عبرة لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلِسَائِرِ مَنْ سَمِعَ بِذَلِكَ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا يَنَالُهُ مِنَ الْبَلَاءِ فِيهَا، وَيَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى وَيَصْبِرَ عَلَى حَالَتَيِ الضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ وَهُوَ أَيُّوبُ بْنُ أَنُوصَ وَكَانَ مِنْ وَلَدِ عِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وَلَدِ لُوطٍ، وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدِ اصْطَفَاهُ وَجَعَلَهُ نَبِيًّا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ أَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا حَظًّا وَافِرًا مِنَ النِّعَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْبَسَاتِينِ وَأَعْطَاهُ أَهْلًا وَوَلَدًا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَكَانَ رَحِيمًا بِالْمَسَاكِينِ، وَكَانَ يَكْفُلُ الْأَيْتَامَ وَالْأَرَامِلَ وَيُكْرِمُ/ الضَّيْفَ وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَدْ آمَنُوا بِهِ وَعَرَفُوا فَضْلَهُ،
قَالَ وَهْبٌ: وَإِنَّ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّه تَعَالَى مَقَامًا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِثْلُهُ فِي الْقُرْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَلَقَّى الْكَلَامَ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّه عَبْدًا بِخَيْرٍ تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ تَلَقَّاهُ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِذَا شَاعَ ذَلِكَ فَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. ثُمَّ صَلَّتْ مَلَائِكَةُ السموات ثُمَّ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ. وَكَانَ إِبْلِيسُ لَمْ يُحْجَبْ عن شيء من السموات، وَكَانَ يَقِفُ فِيهِنَّ حَيْثُمَا أَرَادَ، وَمِنْ هُنَاكَ وَصَلَ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَحُجِبَ عَنْ أَرْبَعٍ. فَكَانَ يَصْعَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثٍ إِلَى زَمَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحجب عند ذلك عن جميع السموات إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، قَالَ: فَسَمِعَ إِبْلِيسُ تَجَاوُبَ الْمَلَائِكَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَيُّوبَ فَأَدْرَكَهُ الْحَسَدُ، فَصَعِدَ سَرِيعًا حَتَّى وَقَفَ مِنَ السَّمَاءِ مَوْقِفًا كَانَ يَقِفُهُ، فَقَالَ:
يَا رَبِّ إِنَّكَ أَنْعَمْتَ عَلَى عَبْدِكَ أَيُّوبَ فَشَكَرَكَ وَعَافَيْتَهُ فَحَمِدَكَ ثُمَّ لَمْ تُجَرِّبْهُ بِشِدَّةٍ وَلَا بَلَاءٍ وَأَنَا لَكَ زَعِيمٌ لَئِنْ ضَرَبْتَهُ بِالْبَلَاءِ لَيَكْفُرَنَّ بِكَ، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: انْطَلِقْ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى مَالِهِ. فَانْقَضَّ الْمَلْعُونُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ وَجَمَعَ عَفَارِيتَ الشَّيَاطِينِ، وَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْقُوَّةِ فَإِنِّي سُلِّطْتُ عَلَى مَالِ أَيُّوبَ؟ قَالَ عِفْرِيتٌ: أُعْطِيتُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا إِذَا شِئْتُ تَحَوَّلْتُ إِعْصَارًا مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ آتِي عَلَيْهِ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: فَأْتِ الْإِبِلَ وَرِعَاءَهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ حَتَّى ثَارَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ إِعْصَارٌ مِنْ نَارٍ لَا يَدْنُو مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا احْتَرَقَ فَلَمْ يَزَلْ يُحْرِقُهَا وَرِعَاءَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، فَذَهَبَ إِبْلِيسُ عَلَى شَكْلِ بَعْضِ أُولَئِكَ الرُّعَاةِ إِلَى أَيُّوبَ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: يَا أَيُّوبُ هَلْ تَدْرِي مَا صَنَعَ رَبُّكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ بِإِبِلِكَ وَرِعَائِهَا؟ فَقَالَ أَيُّوبُ: إِنَّهَا مَالُهُ أَعَارَنِيهِ وَهُوَ أَوْلَى بِهِ إِذَا شَاءَ نَزَعَهُ. قَالَ إِبْلِيسُ: فَإِنَّ رَبَّكَ أَرْسَلَ عَلَيْهَا نَارًا مِنَ السَّمَاءِ فَاحْتَرَقَتْ وَرِعَاؤُهَا كُلُّهَا وَتَرَكَتِ النَّاسَ مَبْهُوتِينَ مُتَعَجِّبِينَ مِنْهَا. فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: مَا كَانَ أَيُّوبُ يَعْبُدُ شَيْئًا وَمَا كَانَ إِلَّا فِي غُرُورٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute