للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَفْعَلُ تَعَالَى فِيهِ قُدْرَةَ الْإِصْلَاحِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ يَخْتَارُ خِلَافَ الْإِصْلَاحِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى فِيهِ خَاصَّةً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ مَعَ أَنَّهُ كَلَّفَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى فِعْلِهِ، وَأَيْضًا فَالْإِعْنَاتُ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِيمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنَ الشَّيْءِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَضِيقُ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ أَلْبَتَّةَ فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ، وَعِنْدَ الْخَصْمِ الْوَلِيُّ إِذَا اخْتَارَ الصَّلَاحَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ الْفَسَادِ، وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَسَادِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ: الْمُعَارَضَةُ بِمَسْأَلَةِ الْعِلْمِ وَالدَّاعِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خِلَافِ الْعَدْلِ، لِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ وَصْفُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْنَاتِ مَا جَازَ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ وَلِلنَّظَّامِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَةِ الْإِعْنَاتِ، فَلِمَ قُلْتُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَشِيئَةَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي حَقِّهِ تعالى، والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢١]]

وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)

[الحكم السادس فيما يتعلق بالنكاح]

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الْمُمْتَحِنَةِ: ١٠] وَقُرِئَ بِضَمِّ التَّاءِ، أَيْ لَا تُزَوِّجُوهُنَّ وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَا يُزَوِّجُونَهُنَّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ وَشَرْعٍ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ فِي بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقِصَّةِ الْيَتَامَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ [البقرة: ٢٢٠] وَأَرَادَ مُخَالَطَةَ النِّكَاحِ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا يَبْعَثُ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْيَتَامَى، وَأَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الْمُشْرِكَاتِ، وَبَيَّنَ أَنَّ أَمَةً مُؤْمِنَةً خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَإِنْ بَلَغَتِ النِّهَايَةَ فِيمَا يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ فِيهَا، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَبْعَثُ عَلَى التَّزَوُّجِ بِالْيَتَامَى، وَعَلَى تَزْوِيجِ الْأَيْتَامِ عِنْدَ الْبُلُوغِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيَةً لِمَا أَمَرَ بِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي صَلَاحِهِمْ وَصَلَاحِ أَمْوَالِهِمْ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَحُكْمُ الْآيَةِ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ حَلِيفًا لِبَنِي هَاشِمٍ إِلَى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا سِرًّا، فَعِنْدَ قُدُومِهِ جَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ خَلِيلَةٌ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَعْرَضَتْ عَنْهُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، فَالْتَمَسَتِ الْخَلْوَةَ، فَعَرَّفَهَا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ وَعَدَهَا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ بِهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَهُ مَا جَرَى فِي أَمْرِ عَنَاقَ، وَسَأَلَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى/ هَذِهِ الْآيَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي لَفْظِ النِّكَاحِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي