للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَجَابَ مُثْبِتُو الْقِيَاسِ: بِأَنَّ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ وَالْإِجْمَاعَ لَمَّا تَعَاضَدَتْ فِي إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ قَوِيَتِ الْقُوَّةُ وَحَصَلَ التَّرْجِيحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْحَشْوِيَّةُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ النَّظَرَ الْعَقْلِيَّ وَالْبَرَاهِينَ الْعَقْلِيَّةَ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ حُجَّةً مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ فَلَوْ جَعَلْنَا الْقُرْآنَ طَاعِنًا فِي صِحَّةِ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَهُوَ بَاطِلٌ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قَلِيلًا مَا يَتَذَكَّرُونَ بِالْيَاءِ تَارَةً وَالتَّاءِ أُخْرَى وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالتَّاءِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَذَكَّرُونَ أَصْلُهُ تَتَذَكَّرُونَ فَأُدْغِمَ تَاءُ تَفَّعَّلَ فِي الذَّالِ لِأَنَّ التَّاءَ مَهْمُوسَةٌ وَالذَّالَ مَجْهُورَةٌ وَالْمَجْهُورُ أَزْيَدُ صَوْتًا مِنَ الْمَهْمُوسِ فَحَسُنَ إِدْغَامُ الْأَنْقَصِ فِي الْأَزْيَدِ وَمَا مَوْصُولَةٌ بِالْفِعْلِ وَهِيَ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ فَالْمَعْنَى: قَلِيلًا تَذَكُّرُكُمْ وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ يَتَذَكَّرُونَ بِيَاءٍ وَتَاءٍ فَوَجْهُهَا أَنَّ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَيْ قَلِيلًا مَا يَتَذَكَّرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذُكِّرُوا بِهَذَا الْخِطَابِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٍ خَفِيفَةَ الذَّالِ شَدِيدَةَ الْكَافِ فَقَدْ حَذَفُوا التَّاءَ الَّتِي أَدْغَمَهَا الْأَوَّلُونَ وَذَلِكَ حَسَنٌ لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مُتَقَارِبَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقَرَأَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَلَا تَبْتَغُوا مِنَ الِابْتِغَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً [آل عمران: ٨٥] .

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ الى ٥]

وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِنْذَارِ وَالتَّبْلِيغِ وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِالْقَبُولِ وَالْمُتَابَعَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا فِي تَرْكِ الْمُتَابَعَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا مِنَ الْوَعِيدِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الزَّجَّاجُ: مَوْضِعُ كَمْ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ أَهْلَكْناها قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّ قَوْلَكَ زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِكَ زَيْدًا ضَرَبْتُهُ وَالنَّصْبُ جَيِّدٌ عَرَبِيٌّ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [الْقَمَرِ: ٤٩] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قِيلَ: فِي الْآيَةِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: وَكَمْ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ:

فَجاءَها بَأْسُنا وَالْبَأْسُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْأَهْلِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: أَوْ هُمْ قائِلُونَ فَعَادَ الضَّمِيرُ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ.

وَثَالِثُهَا: إِنَّ الزَّجْرَ وَالتَّحْذِيرَ لَا يَقَعُ لِلْمُكَلَّفِينَ إِلَّا بِإِهْلَاكِهِمْ. وَرَابِعُهَا: إِنَّ مَعْنَى الْبَيَاتِ وَالْقَائِلَةِ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِيهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا قَالَ أَهْلَكْنَاهَا؟ أَجَابُوا بِأَنَّهُ تَعَالَى رَدَّ الْكَلَامَ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ [الطَّلَاقِ: ٨] فَرَدَّهُ عَلَى اللَّفْظِ ثُمَّ قَالَ: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ [الطلاق: ١٠] فَرَدَّهُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَوْ قَالَ فَجَاءَهُمْ بَأْسُنَا لَكَانَ صَوَابًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا مَحْذُوفَ فِي الْآيَةِ وَالْمُرَادُ إِهْلَاكُ نَفْسِ الْقَرْيَةِ لِأَنَّ فِي إِهْلَاكِهَا بِهَدْمٍ أَوْ خَسْفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إِهْلَاكَ مَنْ فِيهَا وَلِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ: فَجاءَها بَأْسُنا مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى التَّأْوِيلِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِهْلَاكُ مُتَقَدِّمًا عَلَى مجيء البأس

<<  <  ج: ص:  >  >>