للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة ق (٥٠) : آية ٣٤]]

ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ادْخُلُوها بِسَلامٍ.

فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلى الجنة التي في وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ [ق: ٣١] أَيْ لَمَّا تَكَامَلَ حُسْنُهَا وَقُرْبُهَا وَقِيلَ لَهُمْ إنها منزلكم بقوله هذا ما تُوعَدُونَ [ق: ٣٢] أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْخِطَابُ مَعَ مَنْ؟ نَقُولُ إِنْ قُرِئَ مَا تُوعَدُونَ بِالتَّاءِ فَهُوَ ظَاهِرٌ إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْمَوْعُودِينَ، وَإِنْ قُرِئَ بِالْيَاءِ فَالْخِطَابُ مَعَ الْمُتَّقِينَ أَيْ يُقَالُ لِلْمُتَّقِينَ ادْخُلُوهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ، وَفِيهِ مِنَ الِانْتِظَارِ مَا لَا يَلِيقُ بِالْإِكْرَامِ، نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ دَعَا مُكْرَمًا إِلَى بُسْتَانِهِ يَفْتَحُ لَهُ الْبَابَ وَيَجْلِسُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى الْبَابِ مَنْ يُرَحِّبُهُ، وَيَقُولُ إِذَا بَلَغْتَ بُسْتَانِي فَادْخُلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَكُونُ قَدْ أَخَلَّ بِإِكْرَامِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَقِفُ على بابه قَوْمٍ يَقُولُونَ: ادْخُلْ بِاسْمِ اللَّه، يَدُلُّ عَلَى الْإِكْرَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِسَلامٍ كَمَا يَقُولُ الْمُضِيفُ: ادْخُلْ مُصَاحَبًا بِالسَّلَامَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ فِي مَعْنَى الْحَالِ، أَيْ سَالِمِينَ مَقْرُونِينَ بِالسَّلَامَةِ، أَوْ مَعْنَاهُ ادْخُلُوهَا مُسَلَّمًا عَلَيْكُمْ، وَيُسَلِّمُ اللَّه وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْكُمْ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِرْشَادًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا أُرْشِدُوا إِلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النُّورِ: ٢٧] فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: هَذِهِ دَارُكُمْ وَمَنْزِلُكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَتْرُكُوا حَسَنَ/ عَادَتِكُمْ، وَلَا تُخِلُّوا بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِكُمْ، فَادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ، وَيَصِيحُونَ سَلَامًا على من فيها، ويسلم من فيها عليهم، وَيَقُولُونَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الْوَاقِعَةِ: ٢٦] أَيْ يُسَلِّمُونَ على من فيها، ويسلم من فيها عليهم، وَهَذَا الْوَجْهُ إِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَنِعْمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا فَهُوَ مُنَاسِبٌ مَعْقُولٌ أَيَّدَهُ دَلِيلٌ مَنْقُولٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ.

حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِي قَلْبِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمْ فَتَبْقَى فِي قَلْبِهِمْ حَسْرَتُهُ، فَإِنْ قِيلَ الْمُؤْمِنُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ خُلِّدَ فِيهَا، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّذْكِيرِ؟ وَالْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ قَوْلٌ قَالَهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا إِعْلَامًا وَإِخْبَارًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلًا يَقُولُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ ادْخُلُوها فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا فِي يَوْمِنَا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْخُلُودِ. ثَانِيهِمَا: اطْمِئْنَانُ الْقَلْبِ بِالْقَوْلِ أَكْثَرُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ يَوْمُ الْخُلُودِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ يَوْمُ تَقْدِيرِ الْخُلُودِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْيَوْمُ يُذَكَّرُ، وَيُرَادُ الزَّمَانُ الْمُطْلَقُ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمًا أَوْ لَيْلًا، نَقُولُ: يَوْمَ يُولَدُ لِفُلَانٍ ابْنٌ يَكُونُ السُّرُورُ الْعَظِيمُ، وَلَوْ وُلِدَ لَهُ بِاللَّيْلِ لَكَانَ السُّرُورُ حَاصِلًا، فَتُرِيدُ بِهِ الزَّمَانَ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ذَلِكَ زَمَانٌ الْإِقَامَةِ الدَّائِمَةِ. ثُمَّ قال تعالى:

[[سورة ق (٥٠) : آية ٣٥]]

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)

وَفِي الْآيَةِ تَرْتِيبٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِبَيَانِ إكرامهم حيث قال: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء: ٩٠] وَلَمْ يَقُلْ: قُرِّبَ الْمُتَّقُونَ مِنَ الْجَنَّةِ بَيَانًا لِلْإِكْرَامِ حَيْثُ جَعَلَهُمْ مِمَّنْ تُنْقَلُ إِلَيْهِمُ الْجِنَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>