وَاحِدٍ وَقَالَ: خُذْ وَاحِدًا مِنِّي بِالِاثْنَيْنِ مِنْكَ فَإِنَّهُ يَفِي وَيَكْفِي، فَكَأَنَّ السَّائِلَ يَقُولُ: كَيْفَ يَفِي الْوَاحِدُ بِالِاثْنَيْنِ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا تَقُولُ هَذَا لِأَنَّكَ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْوَاحِدَ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ.
[[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ٦]]
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦)
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: نارُ اللَّهِ فَالْإِضَافَةُ لِلتَّفْخِيمِ أَيْ هِيَ نَارٌ لَا كَسَائِرِ النِّيرَانِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي لَا تَخْمَدُ أَبَدًا أَوْ الْمُوقَدَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ وَمِنْهُ
قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: عَجَبًا مِمَّنْ يَعْصِي اللَّهَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالنَّارُ تُسَعَّرُ مِنْ تَحْتِهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ الْآنَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ»
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى:
[[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ٧]]
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ: طَلَعَ الْجَبَلَ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ إِذَا عَلَاهُ، ثُمَّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّارَ تَدْخُلُ فِي أَجْوَافِهِمْ حَتَّى تَصِلَ إِلَى صُدُورِهِمْ وَتَطَّلِعَ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ، وَلَا شَيْءَ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ أَلْطَفُ مِنَ الْفُؤَادِ، وَلَا أَشَدُّ تَأَلُّمًا مِنْهُ بِأَدْنَى أَذًى يُمَاسُّهُ، فَكَيْفَ إِذَا اطَّلَعَتْ نَارُ جَهَنَّمَ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ الْفُؤَادَ مَعَ اسْتِيلَاءِ النَّارِ عَلَيْهِ لَا يَحْتَرِقُ إِذْ لَوِ احْتَرَقَ لَمَاتَ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قوله: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [الْأَعْلَى: ١٣] وَمَعْنَى الِاطِّلَاعِ هُوَ أَنَّ النَّارَ تَنْزِلُ مِنَ اللَّحْمِ إِلَى الْفُؤَادِ وَالثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ تَخْصِيصِ الْأَفْئِدَةِ بِذَلِكَ هُوَ أَنَّهَا مَوَاطِنُ الْكُفْرِ وَالْعَقَائِدِ الْخَبِيثَةِ وَالنِّيَّاتِ الْفَاسِدَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النَّارَ تَأْكُلُ أَهْلَهَا حَتَّى إِذَا اطَّلَعَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمُ انْتَهَتْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُ لَحْمَهُمْ وَعَظْمَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
[[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ٨]]
إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨)
فَقَالَ الْحَسَنُ: مُؤْصَدَةٌ أَيْ مُطْبَقَةٌ مِنْ أَصَدْتُ الْبَابَ/ وَأَوْصَدْتُهُ لُغَتَانِ، وَلَمْ يَقُلْ: مُطْبَقَةٌ لِأَنَّ الْمُؤْصَدَةَ هِيَ الْأَبْوَابُ الْمُغْلَقَةُ، وَالْإِطْبَاقُ لَا يُفِيدُ مَعْنَى الْبَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْعَذَابِ مِنْ وُجُوهٍ أحدها: أن قوله: لَيُنْبَذَنَّ [الهمزة: ٤] يَقْتَضِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَهُ قَعْرٌ عَمِيقٌ جِدًّا كَالْبِئْرِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَوْ شَاءَ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ بَابٌ لَكِنَّهُ بِالْبَابِ يُذَكِّرُهُمُ الْخُرُوجَ، فَيَزِيدُ فِي حَسْرَتِهِمْ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ وَلَمْ يَقُلْ: مُؤْصَدَةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ:
عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَوَّلًا كَوْنُهُمْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُهُ مُؤْصَدَةٌ عَلَيْهِمْ لَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ. أما قوله تعالى:
[[سورة الهمزة (١٠٤) : آية ٩]]
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قرئ (في عمد) بضمتين وعمد بسكون الميم وعمد بِفَتْحَتَيْنِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: عُمُدٌ وَعُمْدٌ وَعَمَدٌ مِثْلُ الْأَدِيمِ وَالْأُدْمِ وَالْأَدَمِ وَالْإِهَابِ وَالْأُهْبِ وَالْأَهَبِ، وَالْعَقِيمِ وَالْعُقْمِ وَالْعَقَمِ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَأَبُو عَلِيٍّ:
الْعُمْدُ جَمْعُ عَمُودٍ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ أَمَّا الْجَمْعُ عَلَى وَاحِدٍ فَهُوَ الْعُمُدُ مِثْلُ زَبُورٍ وَزُبُرٍ ورسول ورسل.