للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ الْحَجَّ عَنْ وَقْتِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ اللَّهُ لَهُ فَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ وَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ فَذِكْرُ إِتْيَانِ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا مَثَلٌ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ وَشُهُورِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى تَقْدِيرُهُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنِ اتَّقَى فَهُوَ/ كَقَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ١٧٧] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالُونُ عَنْ نَافِعٍ الْبِيُوتَ: بِكَسْرِ الْبَاءِ لِأَنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا الْخُرُوجَ مِنْ ضَمَّةِ بَاءٍ إِلَى يَاءٍ، وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ وَلِلْقُرَّاءِ فِيهَا وَفِي نَظَائِرِهَا نَحْوِ بُيُوتٍ، وَعُيُونٍ، وَجُيُوبٍ: مَذَاهِبُ وَاخْتِلَافَاتٌ يَطُولُ تَفْصِيلُهَا.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ فَقَدْ بَيَّنَّا دُخُولَ كُلِّ وَاجِبٍ وَاجْتِنَابَ كُلِّ مُحَرَّمٍ تَحْتَهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لِكَيْ تُفْلِحُوا، وَالْفَلَاحُ هُوَ الظَّفَرُ بِالْبُغْيَةِ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ تَعَالَى الْفَلَاحَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي الْآيَةِ وَاللَّهُ أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٠]]

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)

[الحكم العاشر ما يتعلق بالقتال]

وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاسْتِقَامَةِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالتَّقْوَى فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ:

وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها [الْبَقَرَةِ: ١٨٩] وَأَمَرَ بِالتَّقْوَى فِي طَرِيقِ طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ فَالِاسْتِقَامَةُ عِلْمٌ، وَالتَّقْوَى عَمَلٌ، وَلَيْسَ التَّكْلِيفُ إِلَّا فِي هَذَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَشَدِّ أَقْسَامِ التَّقْوَى وَأَشَقِّهَا عَلَى النَّفْسِ، وَهُوَ قَتْلُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَقَالَ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي سَبَبِ النُّزُولِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ:

قَالَ الرَّبِيعُ وَابْنُ زَيْدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَ، وَيَكُفُّ عَنْ قِتَالِ مَنْ تَرَكَهُ، وَبَقِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ إِلَى أَنَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَةِ: ٥] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ لِإِرَادَةِ الْحَجِّ وَنَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ وَهُوَ مَوْضِعٌ كَثِيرُ الشَّجَرِ وَالْمَاءِ فَصَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ فَأَقَامَ شَهْرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ الْعَامَ وَيَعُودَ إِلَيْهِمْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَيَتْرُكُونَ لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَطُوفَ وَيَنْحَرَ الْهَدْيَ وَيَفْعَلَ مَا شَاءَ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَصَالَحَهُمْ عَلَيْهِ، / ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَجَهَّزَ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ خَافَ أَصْحَابُهُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ لَا يَفُوا بِالْوَعْدِ وَيَصُدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَكَانُوا كَارِهِينَ لِمُقَاتَلَتِهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ كَيْفِيَّةَ الْمُقَاتَلَةِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.