الْجَمِيلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ أَمْرًا مَرْغُوبًا فِيهِ لَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَلَمَا طَلَبَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٨٤] وَلِأَنَّ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيَاةِ الشَّرِيفَةِ، بَلِ الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ أَثَرَ الْحَيَاةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي مَسْكَنِ ذَلِكَ الْحَيِّ، أَمَّا أَثَرُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ تُسْأَلُونَ هَلْ أَدَّيْتُمْ شُكْرَ إِنْعَامِنَا عَلَيْكُمْ بِهَذَا الذِّكْرِ الْجَمِيلِ الثَّانِي: قَالَ مُقَاتِلٌ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِهِ يُسْأَلُ لِمَ كَذَّبَهُ، فَيُسْأَلُ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ الثَّالِثُ: تُسْأَلُونَ هَلْ عَمِلْتُمْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ التَّكَالِيفِ، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ الْأَقْوَى فِي إِنْكَارِ الْكُفَّارِ لِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِبُغْضِهِمْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ إِنْكَارَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ/ وَالرُّسُلِ كَانُوا مطبقين على إنكاره فقال: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ وَفِيهِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ وَاسْأَلْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَإِنَّهُمْ سَيُخْبِرُونَكَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي دِينِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجْعَلُوهُ سَبَبًا لِبُغْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي:
قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَعَثَ اللَّهُ لَهُ آدَمَ وَجَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَذَّنَ جِبْرِيلُ ثُمَّ أَقَامَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا الْآيَةَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَسْأَلُ لِأَنِّي لَسْتُ شَاكًّا فِيهِ» .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ ذِكْرَ السُّؤَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ السُّؤَالُ فِيهِ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: سَلِ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَكِ، وَغَرَسَ أَشْجَارَكِ، وَجَنَى ثِمَارَكِ، فَإِنَّهَا إِنْ لَمْ تُجِبْكَ جَوَابًا أَجَابَتْكَ اعْتِبَارًا، فَهَهُنَا سُؤَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ مُمْتَنِعٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ انْظُرْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَقْلِكَ وَتَدَبَّرْ فِيهَا بِفَهْمِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٦ الى ٥٦]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute