بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة نوح عليه السلام]
عشرون وثمان آيات مكية
[سورة نوح (٧١) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢)
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ فِي قَوْلِهِ: أَنْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَصْلُهُ بِأَنْ أَنْذِرْ فَحُذِفَ الْجَارُّ وَأُوصِلَ الْفِعْلُ، وَالْمَعْنَى أَرْسَلْنَاهُ بِأَنْ قُلْنَا لَهُ: أَنْذِرْ أَيْ أَرْسَلْنَاهُ بالأمر بالإنذار الثَّانِي قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَيْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنْذِرْ بِغَيْرِ أَنْ عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ.
ثُمَّ قَالَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قَالَ مُقَاتِلٌ يَعْنِي الْغَرَقَ بِالطُّوفَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لما أمره بذلك امتثل ذلك الأمر. وقال:
قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ثم قال:
[سورة نوح (٧١) : الآيات ٣ الى ٤]
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤)
أَنِ اعْبُدُوا هُوَ نَظِيرُ أَنْ أَنْذِرْ [نوح: ١] فِي الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ الْقَوْمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ وَطَاعَةِ نَفْسِهِ، فَالْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَالْأَمْرُ بِتَقْوَاهُ يَتَنَاوَلُ الزَّجْرَ عَنْ جَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَأَطِيعُونِ يَتَنَاوَلُ أَمْرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَجَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا فِي ذَلِكَ التَّكْلِيفِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَلَّفَهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَدَهُمْ عَلَيْهَا بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُزِيلَ مَضَارَّ الْآخِرَةِ عَنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ الثَّانِي: يُزِيلُ عَنْهُمْ مَضَارَّ الدُّنْيَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ بأن يؤخر أجلهم إلى أقصى الإمكان. وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا فَائِدَةُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ؟ وَالْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهَا صِلَةٌ زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالثَّانِي: أَنَّ غُفْرَانَ الذَّنْبِ هُوَ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَكُمْ بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكُمْ، وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْمَجْمُوعِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِكُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute