للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذَا الْكَلَامِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِعَمَ اللَّه فِي حَقِّهِ كَانَتْ عَظِيمَةً فَحَسُنَ ذِكْرُهُ عِنْدَ تعديد النعم للوجه الذي ذكرناه.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١١]]

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)

وَثَامِنُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْوَحْيِ. فَمَنْ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ قَالَ ذَلِكَ الْوَحْيُ هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي يُوحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُمْ مَا كَانُوا أَنْبِيَاءَ قال المراد بذلك الوحي الإلهام وَالْإِلْقَاءُ فِي الْقَلْبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [الْقَصَصِ:

٧] وَقَوْلِهِ وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النَّحْلِ: ٦٨] وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي مَعْرِضِ تَعْدِيدِ النِّعَمِ لِأَنَّ صَيْرُورَةَ الْإِنْسَانِ مَقْبُولَ الْقَوْلِ عِنْدَ النَّاسِ مَحْبُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّه عَلَى الْإِنْسَانِ. وَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا أَلْقَى ذَلِكَ الْوَحْيَ فِي قُلُوبِهِمْ، آمَنُوا وَأَسْلَمُوا وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْإِيمَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ صِفَةُ الْقَلْبِ وَالْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنِ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ فِي الظَّاهِرِ، يَعْنِي آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ وَانْقَادُوا بِظَوَاهِرِهِمْ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ [المائدة: ١١٠] ثُمَّ إِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ تَعَالَى مِنَ النِّعَمِ مُخْتَصٌّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ لِأُمِّهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا تَعَلُّقٌ.

قُلْنَا: كُلُّ مَا حَصَلَ لِلْوَلَدِ مِنَ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ وَالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى سَبِيلِ الضِّمْنِ وَالتَّبَعِ لِلْأُمِّ.

وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٠] فَجَعَلَهُمَا مَعًا آيَةً وَاحِدَةً لِشِدَّةِ اتِّصَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لما قال لعيسى اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [المائدة: ١١٠] كَانَ يَلْبَسُ الشَّعْرَ وَيَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَلَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ وَيَقُولُ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ رِزْقُهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ فَيَخْرَبُ، وَلَا ولد فيموت، أينما أمسى بات.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١٢]]

إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢)

[في قوله تعالى إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ] فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ إِذْ قالَ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ الثَّانِي:

اذْكُرْ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ هَلْ تَسْتَطِيعُ بِالتَّاءِ رَبَّكَ بِالنَّصْبِ/ وَبِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي التَّاءِ، وَسَبَبُ الْإِدْغَامِ أَنَّ اللَّامَ قَرِيبُ الْمَخْرَجِ مِنَ التَّاءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا وَبِحَسَبَ قُرْبِ الْحَرْفِ مِنَ الْحَرْفِ يَحْسُنُ الْإِدْغَامُ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانُوا أَعْلَمَ باللَّه مِنْ أَنْ يَقُولُوا هَلْ يَسْتَطِيعُ وَإِنَّمَا قَالُوا هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْأَلَ رَبَّكَ.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ بِالتَّاءِ رَبَّكَ بِالنَّصْبِ

وَالْبَاقُونَ يَسْتَطِيعُ بِالْيَاءِ رَبُّكَ بِرَفْعِ الْبَاءِ وبالإظهار فأما القراءة الأولى فمعناها: هل تسطيع سُؤَالَ رَبِّكَ؟ قَالُوا وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ تُوجِبُ شَكَّهُمْ فِي اسْتِطَاعَةِ عِيسَى، وَالثَّانِيَةُ تُوجِبُ شَكَّهُمْ فِي اسْتِطَاعَةِ اللَّه، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُولَى أَوْلَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>