للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ يَا عَائِشَةُ إِنِّي قَدْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعْيَتْنِي وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَأَبَوْا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ مِنْهَا ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهَا مَا قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا وَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُؤَدِّيَ عَنْهَا كِتَابَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ رَسُولُ اللَّه النُّكْرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا تَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَطَّ عَنْهَا بَعْضُ كِتَابَتِهَا فَثَبَتَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الْإِيتَاءُ وَاجِبًا لَكَانَ وُجُوبُهُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُوجِبًا/ لَهُ وَمُسْقِطًا لَهُ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِتَنَافِي الْإِسْقَاطِ وَالْإِيجَابِ الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْحَطُّ وَاجِبًا لَمَا احْتَاجَ إِلَى أَنْ يُضَعَ عَنْهُ بَلْ كَانَ يَسْقُطُ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَقُّ كَمَنْ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ دَيْنٌ ثُمَّ حَصَلَ لِذَلِكَ الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِصَاصًا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْرُ الْإِيتَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِأَلْفَيْنِ فَيُعْتَقُ إِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ آلَافٍ. وَالْكِتَابَةُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَدَاءَ جَمِيعِهَا مَشْرُوطٌ فَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ بَعْضِهَا،

وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ»

وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا صَارَتِ الْكِتَابَةُ مَجْهُولَةً لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ مَجْهُولٌ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إِلَّا شَيْئًا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ واللَّه أَعْلَمُ.

الْحُكْمُ الْعَاشِرُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَزْوِيجِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَكِتَابَتِهِمْ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْمَنْعِ مِنْ إِكْرَاهِ الْإِمَاءِ عَلَى الْفُجُورِ، وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّه بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ سِتُّ جَوَارٍ مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَعَمْرَةُ وَأَرْوَى وَقُتَيْلَةُ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الْبِغَاءِ وَضَرَبَ عَلَيْهِنَّ ضَرَائِبَ فَشَكَتِ [ا] ثَنَتَانِ مِنْهُنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت الْآيَةُ وَثَانِيهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنِ أُبَيٍّ أَسَرَ رَجُلًا فَرَاوَدَ الْأَسِيرُ جَارِيَةَ عَبْدِ اللَّه وَكَانَتِ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً فَامْتَنَعَتِ الْجَارِيَةُ لِإِسْلَامِهَا وَأَكْرَهَهَا ابْنُ أُبَيٍّ عَلَى ذَلِكَ، رَجَاءَ أَنْ تَحْمِلَ مِنَ الْأَسِيرِ فَيَطْلُبَ فِدَاءَ وَلَدِهِ فَنَزَلَتْ وَثَالِثُهَا:

رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: «جَاءَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ تُسَمَّى مُعَاذَةُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه هَذِهِ لِأَيْتَامِ فُلَانٍ أَفَلَا نَأْمُرُهَا بِالزِّنَا فَيُصِيبُونَ مِنْ مَنَافِعِهَا؟

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا فَأَعَادَ الْكَلَامَ» فَنَزَلَتِ الْآيَةُ

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه «جَاءَتْ جَارِيَةٌ لِبَعْضِ النَّاسِ فَقَالَتْ إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهُنِي عَلَى الْبِغَاءِ» فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْإِكْرَاهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مَتَى حَصَلَ التَّخْوِيفُ بِمَا يَقْتَضِي تَلَفَ النَّفْسِ فَأَمَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْخَوْفِ فَلَا تَصِيرُ مُكْرَهَةً، فَحَالُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا كَحَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالنَّصُّ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْإِمَاءِ إِلَّا أَنَّ حَالَ الْحَرَائِرِ كَذَلِكَ.

المسألة الثَّالِثَةُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَمْلُوكِ فَتًى وَلِلْمَمْلُوكَةِ فَتَاةٌ، قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>