هَاهُنَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ وَسْوَسُوا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ المشركين ليجادلوا محمدا صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ/ وَأَصْحَابَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَالثَّانِي: قَالَ عِكْرِمَةُ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ يَعْنِي مَرَدَةَ الْمَجُوسِ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلْ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ سَمِعَهُ الْمَجُوسُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ فَكَتَبُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مُكَاتَبَةٌ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا يَذْبَحُونَهُ حَلَالٌ وَمَا يَذْبَحُهُ اللَّهُ حَرَامٌ فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ يَعْنِي فِي اسْتِحْلَالِ الْمَيْتَةِ: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ كُلَّ مَنْ أَهَلَّ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُشْرِكًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَاكِمًا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْكَعْبِيُّ: الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقَ كَمَا جَعَلَ تَعَالَى الشِّرْكَ اسْمًا لِكُلِّ مَا كَانَ مُخَالِفًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ مُخْتَصًّا بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى طَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي إِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ شِرْكًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الشِّرْكِ هَاهُنَا اعْتِقَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرِيكًا فِي الْحُكْمِ وَالتَّكْلِيفِ؟ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَرْجِعُ مَعْنَى هَذَا الشِّرْكِ الى الاعتقاد فقط.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٢]]
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي دِينِ اللَّهِ ذَكَرَ مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى حَالِ الْمُؤْمِنِ الْمُهْتَدِي وَعَلَى حَالِ الْكَافِرِ الضَّالِّ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُهْتَدِيَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَجُعِلَ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ وَأُعْطِيَ نُورًا يَهْتَدِي بِهِ فِي مَصَالِحِهِ وَأَنَّ الْكَافِرَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ هُوَ فِي ظُلُمَاتٍ مُنْغَمِسٌ فِيهَا لَا خَلَاصَ لَهُ مِنْهَا فَيَكُونُ مُتَحَيِّرًا عَلَى الدَّوَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وَعِنْدَ هَذَا عَادَتْ مَسْأَلَةُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ/ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: ذَلِكَ الْمُزَيِّنُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الدَّاعِي وَحُصُولُهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّاعِي عِبَارَةٌ عَنْ عِلْمٍ أَوِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ بِاشْتِمَالِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى نَفْعٍ زَائِدٍ وَصَلَاحٍ رَاجِحٍ فَهَذَا الدَّاعِي لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا هَذَا التَّزْيِينُ فَإِذَا كَانَ مُوجِدُ هَذَا الدَّاعِي هُوَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ الْمُزَيِّنُ لَا مَحَالَةَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: ذَلِكَ الْمُزَيِّنُ هُوَ الشَّيْطَانُ وَحَكَوْا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: زَيَّنَهُ لَهُمْ وَاللَّهِ الشَّيْطَانُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْمَثَلَ مَذْكُورٌ لِيَمِيزَ اللَّهُ حَالَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّيْطَانُ فَإِنْ كَانَ إِقْدَامُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ الْكُفْرِ لِشَيْطَانٍ آخَرَ لَزِمَ الذَّهَابُ إِلَى مزين آخر غَيْرِ النِّهَايَةِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ مُزَيِّنٍ آخَرَ سِوَى الشَّيْطَانِ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمُزَيِّنَ لَيْسَ إِلَّا هُوَ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا أَمَّا قَبْلَهَا فَقَوْلُهُ: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [الانعام: ١٠٨] وَأَمَّا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute